في إطار التزامها بتعزيز الشفافية وتوفير قراءة تحليلية معمقة لتطورات قطاع الطيران المدني، تطلق الهيئة العامة للطيران المدني بدولة الإمارات سلسلة تقارير تحليلية بعنوان «رؤية من الداخل: الطيران المدني في الإمارات»، تستعرض من خلالها أبرز ملامح التقدم، والتحديات، والفرص المستقبلية، من واقع البيانات الرسمية والخبرات التشغيلية المتراكمة، كما تسلط الضوء على النهج الذي تتبعه الدولة لترسيخ موقعها محوراً دولياً مؤثراً في واقع ومستقبل الطيران المدني.
وشكل قطاع الطيران المدني حجر أساس في مسيرة التنمية الوطنية لدولة الإمارات، حيث يقود عجلة النمو الاقتصادي ويعزز من حضور الدولة وتأثيرها على الساحة العالمية.
وتتميز البنية التحتية للطيران في دولة الإمارات بامتلاك مطارات دولية ذات طاقة استيعابية عالية، وأنظمة ملاحة جوية متكاملة، وتصميم متطور ومرن للمجال الجوي، إضافة إلى وجود شركات تصنيع وتجميع هياكل الطائرات، وشركات إنتاج الوقود إلى جانب شركات خدمات طيران متخصصة، وقدرات لوجستية متقدمة تدعم استمرارية وكفاءة هذا القطاع الحيوي.
وهي بنية تحتية وتكنولوجية تم تطويرها لتلبي ليس فقط الاحتياجات الحالية، بل أيضاً لتواكب الجيل القادم من تكنولوجيا النقل الجوي، بما في ذلك التنقل الجوي المتقدم والطائرات ذاتية القيادة وغيرها.
ومن بدايات متواضعة كمحطة لتوقف رحلات الطائرات بين بريطانيا والهند في الشارقة في ثلاثينات القرن الماضي، كانت أولى الخبرات مع هذا القطاع الحيوي. وفي نهاية الخمسينات جاء القرار بتأسيس مطار في دبي، وهو أول مطار لا يزال يعمل في الدولة حتى الآن. بدأ العمل فيه عام 1960 من خلال مدرج مضغوط بالرمال ومبنى صغير، وعبر مراحل تطوير متواصلة، نجح في الثمانينات بالانضمام إلى عضوية مجلس المطارات الدولي. لتمتلك الدولة في ذلك الوقت أول مطار دولي.
وبالتزامن مع ذلك، سعت الدولة لتعزيز البنية التحتية الجوية عبر جهود متكاملة، حيث تم تأسيس مطار أبوظبي الدولي ليصبح ثاني أكبر مطار في الدولة، وتم تغيير اسمه في 2024 إلى «مطار زايد الدولي»، إلى جانب مطار الشارقة الدولي، ومطار رأس الخيمة الدولي، ومطار الفجيرة الدولي، ليشهد قطاع النقل الجوي في دولة الإمارات خلال 5 عقود فقط تحولاً جذرياً إلى منظومة طيران عالمية متكاملة تضم شبكة متقدمة من البنى التحتية تغطي كل إمارات الدولة، وتشمل 12 مطاراً معتمداً، من بينها 8 مطارات دولية و100 مهبط عمودي لطائرات الهليكوبتر (يجرى تطوير بعضها حالياً لتصبح مهابط هجينة تستقبل الطائرات العمودية الكهربائية إلى جانب العمليات التقليدية) 35 مشغلاً جوياً إماراتياً، من بينهم 5 ناقلات وطنية و383 مشغلاً أجنبياً مسجلاً في الدولة إضافة إلى 189 اتفاقية نقل جوي ثنائية موقعة مع 97% من دول العالم.
كما تمتلك الدولة شبكة ربط دولي واسعة تربط مطارات الدولة بـ304 مطارات دولية في 109 دول وخلال السنوات الخمس الماضية فقط، تم إطلاق 162 مساراً دولياً جديداً.
وخلال العقد الماضي (2014 - 2024)، ارتفع مؤشر الربط الجوي الدولي لدولة الإمارات بنسبة 39% على مستوى الشرق الأوسط، و15% على المستوى العالمي، فيما تقدر القدرات التشغيلية العالية بمتوسط 857 رحلة دولية يومياً.
وبلغ عدد أسطول الناقلات الجوية المسجلة في الدولة 960 طائرة، منها 520 طائرة تابعة للناقلات الوطنية، والتي تسير أكثر من 4.800 رحلة أسبوعياً حول العالم.
ريادة عالمية
كما يواصل مطار دبي الدولي، الذي يصنف كأكثر مطارات العالم ازدحاماً بالمسافرين الدوليين منذ أكثر من عشر سنوات، الاحتفاظ بريادته العالمية في السعة المقعدية المجدولة على الرحلات الدولية، مسجلاً 5.34 ملايين مقعد مغادر في أغسطس 2025 (10.68 ملايين في الاتجاهين)، وفقاً للتقرير الشهري لمؤسسة «أو إيه جي» الدولية.
خلال السنوات العشر الماضية، سجلت مطارات الدولة نمواً تراكمياً في أعداد المسافرين بنسبة 33.6% وتبلغ حالياً إجمالي الطاقة الاستيعابية لمطارات الدولة أكثر من 160 مليون مسافر سنوياً.
ووفقاً لمؤشرات عام 2023، تمثل دولة الإمارات 2.3% من إجمالي حركة المسافرين الدوليين عالمياً، و32.2% من حركة المسافرين الدوليين إقليمياً. لقد جعلت هذه الأرقام من دولة الإمارات واحدة من أكثر الدول ترابطاً جوياً في العالم. ولم يكن هذا التطور والنمو الاستثنائي وليد الصدفة، بل نتيجة تخطيط وطني محكم، وقيادة سباقة، واستثمارات مدروسة، وإصرار راسخ على التميز.
وقد أسهم ذلك في تحويل سماء دولة في قلب الصحراء إلى ممرات جوية من الأكثر كثافة ونشاطاً في المنطقة، حيث سجلت الدولة أكثر من مليون حركة جوية خلال 2024.
محرك رئيسي
وفقاً لأحدث تقرير صادر عن اتحاد النقل الجوي الدولي (إياتا)، يساهم قطاع النقل الجوي في دولة الإمارات بشكل مباشر وغير مباشر بأكثر من 92 مليار دولار، أي ما يعادل حوالي 18% من الناتج المحلي الإجمالي للدولة.
فمن حيث التأثير المباشر، يعمل في القطاع نحو 206,800 موظف، موزعين بين شركات الطيران، ومشغلي المطارات، ومزودي خدمات الملاحة الجوية، والمصنعين، ما يولد قيمة اقتصادية مباشرة تقدر بنحو 26.6 مليار دولار، أي ما يعادل 5.3% من الناتج المحلي الإجمالي.
سلاسل الإمداد
ويتوسع هذا الأثر ليشمل سلاسل الإمداد، والإنفاق الاستهلاكي للموظفين، والأنشطة السياحية المدعومة بالبنية التحتية الجوية المتقدمة، مما يرفع المساهمة الاقتصادية الإجمالية للقطاع إلى 92 مليار دولار، ويدعم ما يصل إلى مليون وظيفة، (تحديداً 991,500 وظيفة) في مختلف القطاعات ذات الصلة.
إضافة إلى ذلك، يسهم القطاع في دعم التجارة الدولية عبر نقل 4.36 ملايين طن من البضائع خلال العام الماضي فقط، وتصنف دولة الإمارات كسابع أكبر سوق للشحن الجوي في العالم.
وإلى جانب تأثيره الاقتصادي، يساهم قطاع الطيران في دولة الإمارات في تعزيز الروابط الاجتماعية وتسهيل تواصل الأفراد والعائلات، وتعزيز التبادل الثقافي، وتيسير الوصول إلى التعليم والرعاية الصحية، بما يدعم أهداف التنمية المستدامة. لا سيما وأن السفر الجوي في الدولة أصبح أكثر سهولة وتوفراً من حيث التكلفة، حيث انخفض متوسط سعر تذكرة الطيران الحقيقي بنسبة 35٪ بين عامي 2011 و2023. وفي 2023، بلغ عدد الرحلات الجوية 3,668 رحلة لكل 1,000 شخص.
لا شك أن تجربة دولة الإمارات في قطاع الطيران تمثل نموذجاً ملهماً على الصعيد العالمي، وتؤكد أن الاستثمار الذكي في البنية التحتية للنقل الجوي هو استثمار مباشر في مستقبل الاقتصاد والمجتمع، وعامل تمكين رئيس لتحقيق التنمية الاقتصادية الشاملة والمستدامة