لم تتسبب التوقعات بوفرة تدفقات النفط على العالم قريباً في خفض أسعار الخام، حيث يرى بعض المحللين أن قيام الصين بهدوء بتكديس الاحتياطيات يجنب السوق ركوداً كبيراً.
وتتوقع البنوك الكبرى ووكالات الطاقة والمحللون بشكل شبه شامل أن فائض المعروض قد يدفع أسعار النفط الخام العالمية نحو 50 دولاراً للبرميل أو أقل العام المقبل، لكن خام برنت، وهو المعيار الدولي، لا يزال يتداول عند حوالي 67 دولاراً للبرميل، دون تغيير يذكر عن مستواه في أواخر يونيو، كما أن أسواق العقود الآجلة لا تشير إلى وفرة قادمة.
ويقول فيكاس دويفيدي، خبير استراتيجيات الطاقة العالمية في ماكواري: «هناك بعض الغموض. السوق بأكمله يتحدث عن فوائض هائلة، ومع ذلك، فإن السعر لا يتراجع».
وتشير أحدث توقعات وكالة الطاقة الدولية إلى فائض قياسي قدره 3.3 ملايين برميل يومياً في عام 2026، وبالمثل، توقعت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية الأسبوع الماضي فائضاً قدره 2.1 مليون برميل يومياً في النصف الثاني من هذا العام و1.7 مليون برميل يومياً في العام المقبل.
ولم تكن الوكالات وحدها هي من تتوقع ذلك، إذ يتوقع بنك الاستثمار ماكواري فوائض تصل إلى حوالي 3 ملايين برميل يومياً في الربع الأخير من هذا العام والربع الأول من العام المقبل، فيما تتوقع شركة ريستاد الاستشارية أن يبلغ متوسط فوائض العام المقبل 2.2 مليون برميل يومياً.
وتعني كل هذه التوقعات أنه باستثناء التغيرات في الإنتاج أو الاستهلاك، ستكون الوفرة في العام المقبل أكبر من تلك التي حدثت في عام 2020، عندما سحقت جائحة فيروس كورونا الطلب.
وبلغ متوسط الأسعار 42 دولاراً للبرميل، بل وانهار خام غرب تكساس الوسيط لفترة وجيزة إلى المنطقة السلبية، رغم ذلك كله، ظلت أسعار النفط الخام صامدة هذا العام حتى مع الزيادة السريعة لإنتاج «أوبك+». في الوقت نفسه، فإن سعر النفط المسلم فوراً أغلى من النفط المسلم لاحقاً. وهذا ما يشير عادة إلى سوق تعاني من الشح وليس من تخمة وشيكة.
ويمكن تفسير هذا التفاوت جزئياً، وفقاً للوكاس ديفييدي، بكون فائض النفط هذا العام قد خزن في آسيا أو وضع في مخازن عائمة، بدلاً من مناطق تخزين خاضعة لمراقبة أكبر مثل كوشينغ في الولايات المتحدة أو روتردام في أوروبا.
وقال: «لكي يكون للأمر تأثير أكبر، يجب أن نرى تراكم المخزونات في مناطق أكثر بروزاً للسوق الأوسع، وليس فقط لمتخصصي النفط».
وقد حدث الكثير من هذه الممارسات في الصين بصفة خاصة، حيث دأبت الصين على شراء النفط الخام بكميات كبيرة لاحتياطيها الاستراتيجي من النفط.
وبينما ينظر إلى مثل هذا التخزين في أماكن أخرى من العالم عادة على أنه إشارة سلبية على أن العرض يفوق الطلب، فقد تعامل التجار مع التخزين الصيني وكأنه يمثل زيادة في الاستهلاك، وذلك حسب رأي توريل بوسوني، رئيس قسم صناعة وأسواق النفط في وكالة الطاقة الدولية.
وقد بلغت عملية التخزين الصيني ذروتها عند معدل حوالي 900 ألف برميل يومياً في الربع الثاني من هذا العام قبل أن تتباطأ في يوليو، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية. وتشير تقديرات بنك ماكواري إلى أن الصين لا تزال تخزن حوالي 500 ألف برميل يومياً، وأنها ستستمر في ذلك لأشهر عدة.
وفي حين أن الصين لم تقدم أي تفسير لمشترياتها، فإن فيكاس دويفيدي من «ماكواري» يرى أن بكين ربما تسعى لتشكيل احتياطي أكبر خشية أن تؤدي عقوبات غربية أكثر صرامة في النهاية إلى خنق تدفقات النفط الروسي والإيراني شرقاً.
وتقول أمريتا سين، مؤسسة شركة إنرجي أسبكتس الاستشارية: إن تخزين الصين للنفط يعد جزءاً من استراتيجيتها «لتقليص اعتمادها على الدولار» ومواجهة أي انخفاض محتمل في قيمة الرنمينبي في حال تصاعدت الحرب التجارية مع الولايات المتحدة وتتوقع سين استمرار عمليات الشراء هذه في عام 2026.
ويتمثل جوهر تحليل وكالة الطاقة الدولية في توقع زيادة الاستهلاك العالمي للنفط بمقدار 700 ألف برميل يومياً فقط العام المقبل ليصل إلى 104.6 ملايين برميل يومياً، وهو ما يمثل «النمو الأبطأ للطلب منذ عام 2009» مع استبعاد فترة الجائحة.
وتتوقع الوكالة ارتفاع الإنتاج بمقدار 2.7 مليون برميل يومياً هذا العام، وبمقدار 2.1 مليون برميل يومياً العام المقبل ليصل إلى مستوى قياسي قدره 107.9 ملايين برميل يومياً، لكن الوكالة لا تتوقع ارتفاع المخزونات العالمية بمقدار 3.3 ملايين برميل يومياً العام المقبل. وقال توريل بوسوني:
«لا بد أن يحدث شيء ما. وإذا لم يتخذ الموردون أي إجراء، فإن الأرصدة تشير إلى سوق يشهد فائضاً كبيراً في المعروض، ولا بد للأسواق أن تستجيب لذلك في النهاية. لكن بعض المحللين، بمن فيهم أمريتا سين من شركة إنرجي أسبكتس، ترى أن حجم الفائض سيكون في النهاية أصغر وأن تأثيره على الأسعار سيكون أقل حدة».
وبينما تشير أرقام الشركة الاستشارية أيضاً إلى وفرة قدرها مليوني برميل يومياً العام المقبل، تقول سين إن الشركة من المرجح أن تخفض تقديراتها للفائض بمجرد أن يتضح أن «أوبك+» لم تتمكن من زيادة الإنتاج بالقدر المعلن.
ورفعت «أوبك+» حصتها الإنتاجية بمقدار 2.5 مليون برميل يومياً منذ أبريل، لكن معظم الخبراء يعتقدون أن الإنتاج سيزيد في الواقع بأقل من 1.5 مليون برميل يومياً، نظراً لأن العديد من أعضاء المنظمة قد وصلوا بالفعل إلى طاقتهم القصوى.
وقالت سين: «نعم، سيكون هناك ضغط هبوطي على الأسعار، لكنني لا أقتنع بالرواية القائلة إننا سنرى سعر برميل النفط عند 40 دولاراً، فطالما أن الطلب الصيني قائم والطاقة الاحتياطية لأوبك+ مقيدة، فسيتم تقليص الجانب السلبي».
في المقابل، يتوقع بنك ماكواري انهياراً «سريعاً نسبياً» في الأسعار.
وقال فيكاس دويفيدي: إذا كانت هذه الفوائض كبيرة بالفعل كما هو معلن، ففي مرحلة ما، سنرى مستودعات تخزين في الجزء المرئي من العالم. وفي هذه المرحلة، ينبغي على المتداولين الفعليين أن يبدأوا بالقول إن هناك «كمية فائضة من النفط. وساعتها فإن السوق سيشهد الهبوط المتوقع».