الأثنين، 25 نوفمبر 2024
دبي، الإمارات العربية المتحدة:
مع اقتراب فصل الشتاء، تسيطر أجواء من القلق على مورّدي قطع الغيار لمصنع نيسان في سندرلاند. فخلال لقائي ببعضهم مؤخراً بالقرب من أكبر منشأة لصناعة السيارات في بريطانيا، بدا عليهم الاضطراب أمام التحولات الكبيرة التي تشهدها الصناعة، حيث علّق أحدهم بنبرة يائسة: «لم يعد لوضع خطط خمسية أي جدوى». وشهدت صناعة السيارات في المملكة المتحدة تراجعاً بنسبة 10 % هذا العام، في ظل سعي شركات التصنيع، بما فيها نيسان، إلى تسريع عملية الانتقال من تصنيع سيارات البنزين والديزل إلى السيارات الكهربائية. لكنّ المستهلكين ما زالوا حذرين، فالكثير منهم يخشى قصر عمر البطارية، بالإضافة إلى أن أسعار السيارات الكهربائية تبقى مرتفعة.
والأزمة هنا لا تقتصر على شركات صناعة السيارات، بل تشمل الحكومة أيضاً، التي كانت قد تعهدت بتقديم موعد حظر بيع السيارات التي تعمل بمحركات الاحتراق الداخلي التقليدية إلى عام 2030، أي أقل بخمس سنوات على الموعد الذي حدده الاتحاد الأوروبي لعام 2035، معلنة في بيانها الرسمي أنها تسعى لتوفير الاستقرار للصناعة والتحول إلى «قوة عظمى في مجال الطاقة النظيفة».
لكن الحكومة بذلك تغامر بمستقبل التصنيع في بريطانيا وبأكثر من 813,000 وظيفة في قطاع السيارات وما يرتبط به، نتيجة هذا الإصرار الشديد. ولم تعد المخاوف حكراً على الموردين وحدهم، وذلك وفقاً لروبرت فورستر، المدير التنفيذي لمجموعة فيرتو البريطانية الذي صرح قائلاً: «من المؤكد أننا سنتصدر قائمة الدول التي تفقد صناعاتها».
وبات جلياً أن تسريع التحول نحو السيارات الكهربائية أمر لا مفر منه، إذ يُساهم قطاع النقل بربع انبعاثات الكربون في بريطانيا. وقد بدأت شركات السيارات بالفعل بضخ استثمارات ضخمة في نماذج كهربائية جديدة وتجهيز مصانعها لهذا الغرض، لكن السعي للتفوق على الاتحاد الأوروبي في هذا المجال يبدو مخاطرة غير محسوبة، خاصة أن الصناعة لا تزال تعتمد بشكل كبير على السوق الأوروبية بالرغم من تداعيات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وتُصدر المملكة المتحدة أكثر من نصف إنتاجها من السيارات إلى دول الاتحاد الأوروبي، فيما تعتبر شركات مثل «ستيلانتيس» التي تمتلك علامات مثل «فوكسهول»، إلى جانب «بيجو»، و«سيتروين»، الإنتاج الأوروبي والبريطاني وحدة واحدة. وقد دعا كارلوس تافاريس، الرئيس التنفيذي لشركة ستيلانتيس، الاتحاد الأوروبي إلى المضي قدماً في عملية التحول إلى السيارات الكهربائية دون إبطاء، لكنه انتقد القوانين البريطانية بوصفها «مروعة» وحذر من مخاطر الإفلاس.
واجتمع ممثلو شركات السيارات مع الوزراء للتعبير عن قلقهم من الأهداف التنظيمية التي تسعى لإلغاء سيارات البنزين والديزل، وطلبوا مرونة أكبر في تطبيق هذه السياسات. كما طالبوا بحوافز ضريبية لدعم التزامهم بالتشريعات الجديدة. وتشير التوقعات إلى أن السيارات الكهربائية ستشكل حوالي 18 % من مبيعات السيارات الجديدة هذا العام، مقارنة بهدف 22 % الذي حددته حكومة ريشي سوناك لعام 2024.
وكان ريشي سوناك قرر تأجيل الموعد المُستهدف لتحقيق انبعاثات صفرية في المملكة المتحدة إلى عام 2035، لمواءمة السياسة مع الاتحاد الأوروبي، في حين أعاد حزب العمال الالتزام بهدف عام 2030. ومع ذلك، لم تتغير السياسة البريطانية التي تقضي برفع الأهداف السنوية لمبيعات السيارات الكهربائية تدريجياً، حيث يتعين على شركات السيارات دفع غرامة قدرها 15,000 جنيه إسترليني عن كل سيارة إضافية تعمل بالبنزين أو الديزل. ويمكن للمُصنّعين تخفيف بعض التكاليف عبر مقايضة ائتمانات السيارات الكهربائية، إلا أن هذا النهج يُثقل كاهل الصناعة حالياً.
وقد تمسك الوزراء بموقفهم ورفضوا المطالبات بتأجيل فرض الغرامات المرتبطة بالتحول إلى السيارات الكهربائية حتى نهاية عام 2025. ومن المتوقع أن يتم طرح المزيد من الطرز البريطانية الصنع بحلول ذلك الوقت، مما سيعزز قدرة الشركات المحلية على منافسة الواردات الصينية. وعلى الرغم من احتمالية حدوث أزمة صناعية وسياسية إذا استمر المستهلكون في التردد بشأن شراء السيارات الكهربائية، فإن الحكومة لا تزال ثابتة على استراتيجيتها.
وعلى أرض الواقع، قد تؤدي قوانين الانبعاثات الخاصة بأساطيل السيارات في الاتحاد الأوروبي إلى نتيجة مشابهة خلال الفترة القصيرة المقبلة. ووفقاً لتقديرات باركليز، يتعين على الشركات الأوروبية بيع ما يقرب من 28% من سياراتها كسيارات كهربائية في العام المقبل لتفادي غرامات قد تصل إلى مليارات اليوروهات، وهو نفس المعدل الذي وضعته المملكة المتحدة لعام 2025. كما أن هناك شركات تضغط لإعادة النظر في لوائح الانبعاثات الأوروبية وتخفيفها.
ويتعين على الحكومات أن تسعى لتحقيق توازن مناسب، فالقواعد والقوانين التي لا تفرض ضغطاً ولو بسيطاً لن تكون فعالة؛ إذ تحتاج شركات السيارات إلى حافز اقتصادي يجعلها تتحمل تكاليف الانتقال إلى السيارات الكهربائية بأسرع وقت ممكن. لكن تعهد إدارة ترامب بإلغاء دعم السيارات الكهربائية يزيد من احتمالية ظهور تراجع عالمي تدريجي عن هذا المسار.
ومع ذلك، فإن محاولة المملكة المتحدة، التي أنتجت 905,000 سيارة فقط العام الماضي، التفوق على الاتحاد الأوروبي الذي أنتج 12 مليون سيارة، تعتبر مغامرة مفرطة في الثقة. فمنذ تصويت البريكست في 2016، شهدت صناعة السيارات في المملكة المتحدة تراجعاً كبيراً، حيث كان إنتاجها حينذاك يقارب ضعف ما تم تحقيقه في 2023. ومن ثم، فإن التوافق مع سياسات الاتحاد الأوروبي يبدو خياراً أكثر عقلانية لتحقيق الأهداف البيئية وتعزيز مستقبل الاقتصاد البريطاني.
ويمكن تحقيق ذلك دون الإضرار بالسمعة بشكل كبير، من خلال إجراء تعديلات طفيفة على نظام الغرامات، والسماح ببيع عدد أكبر من السيارات الهجينة حتى عام 2035 بدلاً من «العدد المحدود» الذي تُصرّح به الحكومة حالياً. فمن الأفضل لصناعة السيارات البريطانية أن تصل إلى هدفها في التحول إلى السيارات الكهربائية بسلاسة، بدلاً من المخاطرة بانهيارها بسبب الاندفاع والتسرع.