الأثنين، 13 يناير 2025
دبي، الإمارات العربية المتحدة:
أي شركة مثل «أوبن إيه آي» التي تتجه نحو إعلان خسارة قدرها 5 مليارات دولار عن العام الماضي مقابل تحقيق إيرادات قدرها 3.7 مليارات دولار، تحتاج إلى قصة جيدة لترويها للحفاظ على تدفق التمويل.
ولا توجد قصص أكثر إقناعاً من القول إن الشركة على وشك تحويل العالم وخلق «مستقبل مجيد» من خلال تطوير الذكاء العام الاصطناعي.
ويختلف الخبراء في تعريف الذكاء الاصطناعي العام، وهو مفهوم نظري أكثر منه تقني. لكن الغالبية العظمى من الباحثين في الذكاء الاصطناعي يتفقون على أنه المرحلة التي تصبح فيها الآلات أكثر ذكاءً من البشر في معظم المهام الفكرية والمعرفية.
ويمثل تطوير هذا النوع من الذكاء الاصطناعي الهدف النهائي الذي تسعى إليه كبرى شركات التكنولوجيا، خصوصاً شركة «أوبن إيه آي» وشركة «ديب مايند» التابعة لجوجل، رغم أن بعض الأصوات المتحفظة لا تزال تشكك في إمكانية تحقيقه.
ومع التقدم المذهل الذي يشهده مجال الذكاء الاصطناعي، أصبحت التوقعات بتحقيق الذكاء العام الاصطناعي (AGI) أقرب من أي وقت مضى. وفي تطور مفاجئ، قال سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة أوبن إيه آي، عبر مدونته الشخصية: «نحن الآن على ثقة من معرفة كيفية بناء ذكاء اصطناعي عام كما فهمناه تقليدياً».
وتأتي هذه التصريحات من شركة نجحت في إحداث ثورة في عالم التكنولوجيا بعد إطلاقها لروبوت المحادثة تشات جي بي تي في نوفمبر 2022، ما رفع قيمتها السوقية إلى 150 مليار دولار في أكتوبر الماضي. ويشهد «تشات جي بي تي» إقبالاً هائلاً، حيث يستخدمه حالياً أكثر من 300 مليون شخص أسبوعياً.
ويواجه تصريح سام ألتمان حول حل مشكلة الذكاء الاصطناعي العام موجة من التشكيك من قبل خبراء القطاع. ويأتي في مقدمة المشككين الباحث المتخصص في الذكاء الاصطناعي غاري ماركوس، المعروف بانتقاداته المستمرة لشركة أوبن إيه آي. وقد رد ماركوس بسخرية على تصريح ألتمان في تغريدة قال فيها: «نحن الآن واثقون من قدرتنا على نشر الهراء بمستويات غير مسبوقة والإفلات من العواقب».
وفي منشور تفصيلي آخر، أوضح ماركوس أن التقنيات الحالية لا تزال بعيدة كل البعد عن تحقيق الذكاء العام، مشيراً إلى أن هذه التقنيات تفتقر إلى العناصر الأساسية للذكاء البشري مثل القدرة على الاستدلال المنطقي والفهم العميق والموثوقية في الأداء.
لكن المستثمرين يبدو أنهم يراهنون على صحة تصريحات ألتمان، وهو ما يتجلى في القيمة السوقية الاستثنائية لشركة أوبن إيه آي. وقد قدم ألتمان في منشوره رؤية مختلفة للذكاء الاصطناعي العام، مقترحاً النظر إليه كمسار تطوري نحو تحقيق ما يعرف بالذكاء الفائق، وليس كنقطة نهاية محددة. وإذا نجحت الشركة في تحقيق هذا الهدف، فسيكون ذلك بمثابة الحدث الأهم في القرن الحادي والعشرين.
ويتوقع المستثمرون عوائد مالية ضخمة في مستقبل تتفوق فيه الآلات على العقل البشري في معظم المجالات. فالذكاء الاصطناعي العام، إذا أحسن استخدامه، يمكن أن يحدث ثورة في مجال الاكتشافات العلمية ويرفع مستويات الإنتاجية البشرية بشكل غير مسبوق. لكن هذا التطور التكنولوجي الهائل يثير مخاوف جدية، أبرزها احتمال تركز القوة بشكل خطير في أيدي عدد محدود من الشركات العملاقة، وما هو أخطر من ذلك، إمكانية تشكيله تهديداً وجودياً للجنس البشري.
ورغم أن النقاشات حول الذكاء الاصطناعي العام مثيرة للاهتمام، إلا أنها لا تزال نظرية وغير واضحة من منظور استثماري. ومع ذلك، ترى شركة أوبن إيه آي فرصاً واعدة في الواقع العملي.
فحتى مع محدودية مجالات تطبيق الذكاء الاصطناعي الحالي، يمكن تحقيق قيمة اقتصادية كبيرة من خلال توسيع نطاق استخداماته في الحياة اليومية.
وقد برز مصطلح جديد هذا العام في عالم التكنولوجيا وهو «الذكاء الاصطناعي الوكيل»، الذي يركز على استخدام المساعدين الرقميين لإنجاز مهام محددة.
وقدم جنسن هوانغ، الرئيس التنفيذي لشركة «إنفيديا»، خلال معرض الإلكترونيات الاستهلاكية في لاس فيغاس أخيراً، تعريفاً واضحاً لهذا المفهوم، موضحاً أنه يشير إلى الأنظمة القادرة على «الإدراك والتفكير والتخطيط والتصرف».
ويستحوذ مجال الذكاء الاصطناعي العامل على اهتمام كبير من المستثمرين في قطاع التكنولوجيا.
وقد كشف تقرير حديث صادر عن مؤسسة «سي بي إنسايتس» حول حالة الاستثمار في 2024 أن الشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي استحوذت على 37% من إجمالي التمويل العالمي لرأس المال الاستثماري والبالغ 275 مليار دولار العام الماضي، مقارنة بـ21% في 2023.
وتركزت أسرع الاستثمارات نمواً في مجالي وكلاء الذكاء الاصطناعي وخدمات دعم العملاء. وفي هذا السياق، كتب سام ألتمان: نعتقد أننا قد نشهد في عام 2025 أول «توظيف» لوكلاء الذكاء الاصطناعي في سوق العمل، ما سيؤدي إلى تغيير جوهري في إنتاجية الشركات.
على سبيل المثال، في مجال السفر، يمكن لوكلاء الذكاء الاصطناعي، عند تلقي أوامر نصية أو صوتية، حجز رحلات عمل كاملة: تأمين أفضل الرحلات الجوية، العثور على الفندق الأكثر راحة، تنظيم المواعيد، وترتيب خدمات النقل. هذه المنهجية قابلة للتطبيق على مجموعة واسعة من العمليات التجارية، ومن المؤكد أن هناك العديد من الشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي تعمل حالياً على تطوير حلول لأتمتة هذه المهام المختلفة.
لكن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي المستقل في تنفيذ المهام المختلفة يتطلب مستوى عالياً من الثقة في هذه التقنية. وقد أصبحت مشكلة الهلوسات أو الأخطاء في المعلومات التي يقدمها الذكاء الاصطناعي معروفة على نطاق واسع.
كما تثير ظاهرة «حقن الأوامر» قلقاً متزايداً، حيث يمكن لأطراف خبيثة خداع عوامل الذكاء الاصطناعي للحصول على معلومات سرية. ولذلك، فإن بناء نظام اقتصادي آمن يعتمد على وكلاء ذكاء اصطناعي متعددين يتطلب تطوير بنية تحتية موثوقة، وهو ما قد يستغرق وقتاً طويلاً.
وفي ظل الاستثمارات الضخمة التي تضخها شركات التكنولوجيا العملاقة وشركات رأس المال الاستثماري في مجال الذكاء الاصطناعي، يجب أن تكون العوائد المستقبلية مذهلة لتبرير هذا الإنفاق الهائل. والسؤال المهم: إلى متى سيستطيع المستثمرون المتلهفون للربح السريع الصمود في انتظار تحقيق هذه العوائد؟