الخميس، 17 أبريل 2025
دبي، الإمارات العربية المتحدة:
بدت الموجة الأخيرة من التعريفات الجمركية، التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وكأنها بمثابة مكسب متوقع لشركة «تسلا»، فقد وعدت الحمائية المتزايدة بتوفير درع في الوقت المناسب للسيارات الكهربائية الأمريكية، خاصة في ظل التوسع السريع للمنافسين الصينيين، وعلى رأسهم شركة «بي واي دي»، لكن بدلاً من كبح جماح المنافسة يبدو أن ترامب قد منح «بي واي دي» فرصة ذهبية للتفوق على «تسلا».
وفي حين كان إيلون ماسك يصول ويجول في الدوائر السياسية الأمريكية كانت «بي واي دي»، في الطرف المقابل من العالم، في شنتشن، تعزز مبيعاتها العالمية من المركبات الكهربائية بهدوء.
وفي الربع الأول من هذا العام تفوقت «بي واي دي» على «تسلا»، من حيث مبيعات المركبات الكهربائية الخالصة للربع الثاني على التوالي، فباعت أكثر من 416,000 مركبة مقابل بيع «تسلا» 336,681 فقط.
وطوال أعوام قلل المشككون من بروز «بي واي دي» واعتبروه ظرفياً، ونظروا إليها على أنها علامة تجارية صينية منخفضة التكلفة، ومن غير المرجح أن تشكل تهديداً مستداماً.
وحينما تغلبت الشركة الصينية على «تسلا» للمرة الأولى عام 2023 قال المشككون، إن هناك تحريفاً في البيانات، بسبب مبيعات السيارات الهجينة.
وحينما فاق نموها نمو سوق المركبات الكهربائية العالمي، أرجعوا تلك إلى الميزة، التي تتمتع بها في ضخامة السوق المحلي. وحتى بعد توسعها في الخارج كان ينظر على نطاق واسع إلى أن غيابها عن سوق أمريكا، بسبب التعريفات الجمركية الهائلة المفروضة على السيارات الصينية، خلال إبان الفترة الأولى لترامب، على أنه نقطة ضعف بالغة.
رغم ذلك فقد اتضح أن ذلك الغياب تحول إلى ميزة استراتيجية.
ولأن «بي واي دي» لا تبيع مركبات كهربائية في الولايات المتحدة فإنها بمعزل حالياً عن الفوضى الناجمة عن آخر موجة من التعريفات الجمركية، التي أعلنها ترامب، ولا توجد لدى الشركة مصانع ولا صالات عرض ولا حصة سوقية في الولايات المتحدة لتدافع عنهم، ومن ثم فالشركة غير معرضة لعدم اليقين التنظيمي الذي تعيشه البلاد، ولا تعريفات جمركية انتقامية، ولا حتى اضطرابات سياسية يتحتم على شركات السيارات المنكشفة على الولايات المتحدة التعاطي معها حالياً، وبذلك باتت عزلتها الجيوسياسية ترفاً نادراً في الصناعة.
الأهم من ذلك اضطرت «بي واي دي»، بفعل أعوام من الإقصاء عن السوق الأمريكية، إلى إعادة توجيه انتباهها إلى كل الأسواق الكبرى الأخرى، وأصبحت تلك الأسبقية في المناطق، التي لا تقاسي أعباء الحواجز السياسية، وتشمل أوروبا، وأمريكا اللاتينية، وجنوب شرق آسيا.
وفي عام 2024 صدرت «بي واي دي» أكثر من 417,000 سيارة، وفي طريقها نحو مضاعفة هذا الرقم خلال العام الجاري.
وعلى النقيض تواجه «تسلا» في الوقت الراهن معارك على مختلف الصعد، فباعتبارها علامة تجارية أمريكية بارزة، فإنها في صدارة الشركات التي تواجه احتمالية ردود فعل «انتقامية» من الصين، وفي حين يوفر مصنعها العملاق في شنغهاي سعة إنتاجية محلية، إلا أن الاعتماد الشديد لـ«تسلا» على الصين، ثاني أكبر أسواقها، يحمل في طياته خطراً كبيراً، فلطالما شكلت القومية سلوكيات المستهلكين الصينيين، وكثيراً ما تسببت في حملات مقاطعة يمكن أن تكون سريعة ومؤذية.
ولعل تداعيات ذلك اتضحت بالفعل، فقد انخفضت مبيعات «تسلا» من السيارات صينية الصنع بنسبة 11.5 % في شهر مارس، مع ارتفاع نسبة مبيعات «بي واي دي» بالقدر ذاته.
وها قد بدأت أوروبا، التي كانت تعد ذات يوم ملاذاً آمناً لـ«تسلا»، في التغير، وإذا ما واجه الاتحاد الأوروبي حمائية الولايات المتحدة بفرض تعريفاته الخاصة على السيارات وقطع الغيار أمريكية الصنع، فقد تجد «تسلا» نفسها واقعة بين شقي الرحى.
وما زالت كثير من النماذج الفاخرة للشركة يتم تصنيعها داخل الولايات المتحدة، بما في ذلك طراز «إكس»، الذي يتم تجميع 60 % من مكوناته داخل أمريكا.
وتجدر الإشارة إلى تراجع أسهم «تسلا» في أوروبا خلال الربع الأول، وشهدت انخفاضاً في بلدان مثل فرنسا والسويد بأكثر من 40 %. في الوقت نفسه توسعت «بي واي دي» في مبيعاتها بالمنطقة، فنمت التسليمات في المملكة المتحدة بأكثر من سبعة أضعاف، مدفوعة في ذلك بالطلب على طرازات مثل «سيل»، وهي سيدان كهربائية يبلغ سعرها نحو 46,000 استرليني.
وتشير هذه الأرقام إلى تغير أوسع نطاقاً، فقد تراجع هامش الأرباح الإجمالي لسيارات «تسلا» إلى 13.6 % في الربع الرابع من العام الماضي، ما يقل عن نصف الذروة المسجلة في عام 2022، بينما أعلنت «بي واي دي» عن هامش أرباح إجمالي يبلغ 22.3 %.
وفي حين تظل «تسلا» أكثر العلامات التجارية شيوعاً في فضاء المركبات الكهربائية عالمياً، إلا أن «بي واي دي» سبقتها وفق مقاييس الأعمال الأساسية، التي تشمل المبيعات وهوامش الأرباح والنمو. وربما يكون العامل الأكثر إثارة لقلق «تسلا» هو اكتساب الشركة الصينية مزيداً من المصداقية على الصعيد العالمي.
وتعكس هذه المصداقية بشكل جزئي التباين بين رئيسي الشركتين. إيلون ماسك يمثل عناونين سياسية متحركة، أما وانغ تشوانفو، مؤسس «بي واي دي»، فكيميائي هادئ وحديثه لطيف، تحول إلى دراسة الهندسة.
وفي حقبة غالباً ما تفضي فيها الشهرة إلى مزيد من التدقيق، فقد تبدى أن انضباطه إحدى الميزات الاستراتيجية، التي تتمتع بها «بي واي دي»، لكن كل ما سبق يتجاوز مجرد المنافسة بين شركتين. إنه مثال واضح على العواقب غير المقصودة للقومية على طريقة ترامب.
ثمة نمط واضح آخذ في النشوء، بعد أن صارت التعريفات الجمركية القاسية حجر أساس للاستراتيجية الاقتصادية الأمريكية، وهو وقوع الشركات الأمريكية ضحية للتعقيد التنظيمي بصورة متزايدة، والتداعيات الاستراتيجية الناجمة عن ذلك، بينما تمضي منافساتها الأجنبية قدماً في استغلال الفجوات، التي تسببت فيها هذه الاستراتيجية نفسها.
وكان المقصود بتعريفات ترامب أن تحمي النفوذ الأمريكي، لكنها بمحاولتها استمالة العالم للإيمان بمنطقها الاقتصادي، فربما تكون الولايات المتحدة بصدد تعليم الآخرين كيف يمكنهم قيادة المشهد من دونها.