الجمعة 11 يوليو 2025 - 01:52:38 ص

إلى أين وصلت الرحلة نحو تطوير الذكاء الاصطناعي البيولوجي؟

إلى أين وصلت الرحلة نحو تطوير الذكاء الاصطناعي البيولوجي؟

دبي، الإمارات العربية المتحدة:

في مختبر يقع خارج كامبريدج يوجد «حاسوب بيولوجي» استثنائي، يحتوي هذا الحاسوب على 200 ألف خلية دماغية بشرية، طورها العلماء في المختبر، وزرعوها في دائرة سيليكونية، تعمل على إيصال نشاطها الكهربائي المتزامن إلى شاشة، تعرض ما يعتمل بداخلها إلى العالم الخارجي.

طورت شركة «كورتيكال لابز» الأسترالية الناشئة جهاز «سي إل 1»، الذي يبلغ حجمه ما يعادل صندوقين صغيرين للأحذية، وذلك بالاشتراك مع «بيت بايو» البريطانية، في محاولة لتطوير «ذكاء اصطناعي بيولوجي»، وهو شكل جديد من الحوسبة، من شأنه إتاحة فرص تتجاوز مجرد الإلكترونيات التقليدية، والتقنيات الناشئة مثل التكنولوجيا الكمومية.

 

وأوضح هون وينغ تشونغ، الرئيس التنفيذي لدى «كورتيكال لابز»، في تصريحات لصحيفة «فاينانشال تايمز»: «سوف تستهلك الحواسيب البيولوجية، شأنها شأن أدمغتنا، طاقة أقل كثيراً مقارنة بالإلكترونيات التقليدية عند معالجتها للمعلومات.

 

يمكن أن تشمل التطبيقات المستقبلية لهذه التكنولوجيا، الروبوتات، والأمن، والميتافيرس أيضاً».

 

وحفّز السعي المتسارع بشدة لإيجاد بدائل للإلكترونيات التقليدية كثيفة استهلاك الطاقة، بروز الحوسبة البيولوجية، وهي المجال الجديد الذي يستهدف الاستفادة المباشرة من ذكاء الخلايا الدماغية بدلاً من محاكاته من خلال السيليكون عبر معالجة هندسة التشكيل العصبي والذكاء الاصطناعي.

 

وتأتي «كورتيكال لابز» في صدارة هذا الحراك، ما يتزامن مع تحقيق مجموعات أكاديمية وشركات ناشئة أخرى، مثل فاينال سبارك السويسرية وبيولوجيكال بلاك بوكس الأمريكية، بعض التقدم في هذا المجال، وتتمثل أولى تطبيقات «سي إل 1» في العلوم العصبية وبحوث الأدوية، وتنظر هذه التطبيقات في مدى الاختلاف بين المواد الكيميائية والأدوية، التي تؤثر على معالجة الخلايا الدماغية للمعلومات.

 

 

وقال تشونغ: «ستتيح المراحل التالية من الابتكار أشكالاً جديدة وأكثر تقدماً من الحوسبة تتجاوز أنظمة الذكاء الاصطناعي، وستستخدم المعالجات ذاتها، التي تمثل حجر الأساس الذي يستند إليه الذكاء في الكائنات الحية، وهو العصبونات، أو الوحدات العصبية الأساسية».

 

وبالنسبة لمارك كوتر، أستاذ علم الأعصاب السريري لدى جامعة كامبريدج، وهو أيضاً مؤسس شركة «بيت بايو»، فتكمن أهمية «سي إل 1» في أنه «أول آلة يمكنها تقييم الطاقة الحوسبية للخلايا الدماغية بصورة موثوقة. إنها نقلة نوعية حقيقية».

 

ويشير خبراء إلى أن «سي إل 1» يمثل «إنجازاً استثنائياً» ساعد في تطوير مجال الحوسبة البيولوجية الناشئ.

 

وقال كارل فريستون، أستاذ العلوم العصبية لدى كلية لندن الجامعية، الذي تعاون أكاديمياً مع عدد من العلماء في «كورتيكال لابز»، إن الجهاز يمكن اعتباره أول حاسوب متاح تجارياً يحاكي الوظائف الحيوية.

وتابع: «مع ذلك، فالهبة الحقيقية التي تقدمها هذه التكنولوجيا ليست لعلوم الحاسوب في الوقت الراهن، وإنما كونها تكنولوجيا ممكنة تسمح للعلماء بإجراء تجارب على دماغ صغير».

 

وعلّق توماس هارتونغ، الأستاذ لدى جامعة جونز هوبكينز في بالتيمور، الذي يجري بحوثاً عن «الذكاء العضوي» باستخدام خلايا دماغية عضوية، أو أدمغة صغيرة مستمدة من الخلايا الجذعية، بأن الإسهام الهائل من «كورتيكال لابز» يتمثل في تطوير الألعاب الافتراضية، بحيث تكون معياراً للحوسبة البيولوجية.

 

وتعلّم الجهاز السابق لـ«سي إل 1»، ويدعى «ديش برين»، لعب لعبة الفيديو البسيطة «بونغ»، وكان يحرك فيها مضرباً افتراضياً لأعلى ولأسفل لضرب الكرة.

 

وانطوت عملية التدريب على منح الخلايا العصبية «جائزة» محفزة عندما تحرك المضرب بصورة صحيحة، ويكون ذلك بإعطائها نشاطاً كهربياً على هيئة موجة جيبية، وهو ما تحبه هذه الخلايا، وبالنسبة لـ«العقاب» الذي كان تتعرض له إذا ما أخطأت في تحريك المضرب فكانت بإصدار ضجيج مزعج.

 

وبرهنت التجارب التي أجريت على كل من «ديش برين» و«سي إل 1»، على مدى تأثير اختلاف الأوضاع على معالجة الخلايا العصبية للمعلومات، وكان ذلك يُقاس بمدى براعة لعبها لـ«بونغ».

 

وبيّن كوتر من «بيت بايو»: «كنا نعرضها لمواد كيميائية مثل تلك التي تؤثر على أدمغتنا»، وأسهب: «تظهر هذه الآلة، على سبيل المثال، مدى إضعاف الكحوليات للقدرة على الحوسبة».

 

وقارنت تجربة أخرى بين تأثير ثلاثة أدوية لعلاج مرض الصرع، وتوصلت إلى أن واحداً منها، وهو «كاربامازيبين» كان متفوقاً في تحسين قراءات أداء اللعب.

 

ولفت تشونغ: «نفكر كثيراً بشأن كيفية برمجة حواسيبنا البيولوجية»، واستطرد: «ثمة سؤال كبير يتمحور حول كيف يمكننا عرض المعلومات الرقمية لهذه العصبونات».

وذكر أن العلماء يعملون أيضاً على تدريب الخلايا العصبية على التمييز بين مختلف أشكال الأرقام، «وقد بدأت لتوها في التمييز بين اختلاف الرقم 9 عن 4 و5».

 

ويضيف العلماء لدى «كورتيكال لابز» و«بيت بايو» طبقات صافية من نوعين بعينهما من الخلايا العصبية على الدوائر السيليكونية الخاصة بحاسوب «سي إل 1» البيولوجي.

 

وتكمن وظيفة النوع الأول في تحفيز النشاط الكهربائي، ويعمل النوع الثاني على تثبيطه. وبيّن تشونغ: «يُعد تحقيق التوازن بين التسارع والكبح مهماً للغاية».

 

وتستمد الخلايا العصبية من خلايا جذعية مستقاة في الأصل من الجلد البشري.

 

ويرى توني أوسترفين، المسؤول عن أعمال «بيت بايو» المرتبطة بالخلايا الدماغية: «تبدو خلايانا العصبية شديدة التجانس»، وأضاف: «ستجد تبايناً هائلاً إذا ما فحصت التقنيات الأخرى. تكمن قوتنا في تطوير مجموعات نقية من الخلايا».

 

وبغض الطرف عن مدى كونها واعدة بالنسبة للحوسبة البيولوجية على المدى الطويل، يدفع المتحمسون لها بأن اعتماد التطبيقات الأكثر عمومية والذكاء الاصطناعي لن يتأتى إلا بعد عقود في المستقبل، لكن تكمن واحدة من المشكلات، التي تواجه هذا لمجال الناشئ في كيفية تطوير نظام برمجة فعال.

 

وهناك مشكلة أخرى تتمثل في أن الخلايا العصبية في جهاز «سي إل 1» بإمكانها أن تظل حية لبضعة أشهر فحسب، ويتطلب الحفاظ عليها تدفقاً مستمراً من السوائل لتغذيتها، وإزالة الفضلات الناتجة.

وقال تشونغ: «إن واحداً من الجوانب السلبية لنظام كهذا يتمثل في أننا لم نتوصل بعد إلى كيفية نقل الذاكرة، ويعني ذلك أنه بمجرد وفاة هذا النظام سيكون علينا البدء من الصفر من جديد».

ويضع تشونغ في اعتباره المخاوف الأخلاقية، التي قد تنشأ مستقبلاً، إذا تمكنت الحواسيب البيولوجية، ومجموعات الخلايا العصبية من تطوير أولى مراحل الإدراك.

 

وفي الوقت الراهن لفت تشونغ إلى أن «هذه الأنظمة لديها وعي لأنها تستجيب لعمليات التنشيط وتتعلم منها، لكنها لا تتمتع بالإدراك بعد، وسنتعلم المزيد عن كيفية عمل الدماغ البشري، لكننا لا نستهدف تطوير دماغ في وعاء».