الأربعاء 9 يوليو 2025 - 04:09:58 ص

خريطة طريق لتنويع المحافظ الاستثمارية في عام ضبابي

خريطة طريق لتنويع المحافظ الاستثمارية في عام ضبابي

دبي، الإمارات العربية المتحدة:

يخيم مناخ من الغموض على آفاق المستثمرين الساعين إلى توجيه مدخراتهم واستثماراتهم، إذ أدت التقلبات غير المتوقعة في سياسات الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، إلى اضطرابات حادة في الأسواق، كما زادت حالة عدم اليقين التي يواجهها المستثمرون على مختلف المستويات.

 
كما سجل الدولار الأمريكي أسوأ بداية سنوية له منذ سبعينيات القرن الماضي، متأثراً بالغموض المحيط بسياسات الرسوم الجمركية، وتصاعد التوترات الجيوسياسية، ولم تعد أدوات الدخل الثابت تلعب دورها التقليدي كـونها «عامل استقرار» في المحافظ الاستثمارية، لمواجهة مخاوف التضخم، لذلك بات العديد من مديري الثروات يشككون في جدوى النموذج التقليدي القائم على توزيع 60% من الأصول للأسهم، و40% للسندات.

 

ورغم استمرار الذهب في التربع على عرش الملاذات الآمنة فإنه حلق إلى مستويات سعرية قياسية غير مسبوقة، بينما تراجعت عوائد السيولة النقدية عن مستوياتها السابقة.

 

وفي الوقت نفسه بدأ المستثمرون يتساءلون عن نهاية حقبة «الاستثنائية الأمريكية»، التي دفعت الأسهم الأمريكية إلى مستويات قياسية.

ودفعت هذه الظروف مديري الثروات إلى التشديد على أهمية تنويع المحافظ الاستثمارية وسيلة للتحوط ضد حالة الغموض والتقلبات، التي تجتاح الأسواق هذا العام.

 

أولاً: بالنسبة لمخاطر العملات الأجنبية فقد هوى مؤشر الدولار بنسبة تجاوزت 10% منذ مطلع يناير، مسجلاً أسوأ بداية سنوية له منذ انهيار نظام بريتون وودز المدعوم بالذهب عام 1973، وقد وصل الدولار إلى أدنى مستوياته أمام سلة العملات المنافسة، خلال أكثر من ثلاث سنوات.

 

ويشكل هذا الانهيار تهديداً للمحافظ الاستثمارية، خاصة تلك التي تضم نسباً مرتفعة من الأسهم الأمريكية أو التي تعتمد على سندات الخزانة الأمريكية ملاذاً آمناً.

 

وحذر المستثمرون من أن حرب الرسوم الجمركية المتقطعة، التي يشنها ترامب، وارتفاع مستويات الاقتراض الأمريكي، والمخاوف المتنامية بشأن استقلالية الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، قوضت جميعها جاذبية الدولار ملاذاً آمناً، بل إن بعض المحللين ذهبوا إلى حد التحذير من تهديد جوهري يتعلق بمكانة الدولار عملة احتياطية عالمية، في ظل تنامي الإقبال على أصول بديلة، وعلى رأسها الذهب.

 

وبشكل عام يلقي مستقبل الدولار بظلاله على قرارات مديري الثروات في مختلف قطاعات المحافظ الاستثمارية، بما فيها الأسهم الأمريكية والأوروبية والذهب، وغيرها من الملاذات الآمنة، ويرون أن الأسهم الأمريكية تتمتع بحصانة أكبر ضد مخاطر «اقتصاد ترامب» مقارنة بالدولار والسندات الأمريكية، نظراً لأن الشركات تجني إيرادات عالمية لا تخضع بالضرورة لتأثيرات السياسة الأمريكية وحدها، لكن هل لا تزال الولايات المتحدة استثنائية؟ لقد ظلت الأسهم الأمريكية في أغلب الأحوال رهاناً رابحاً للمستثمرين، إذ حقق مؤشر «إس آند بي 500» عوائد تجاوزت 100 في المائة، خلال السنوات الخمس الماضية - شريطة أن يكون هؤلاء المستثمرون قد تحلوا بالصبر والثبات، خلال موجات التراجع الحادة، كما حدث في فترة تراجع الأسواق خلال عام 2022، وكذلك إبان فترة عدم اليقين التي أحاطت بالرسوم الجمركية، التي فرضها ترامب في أبريل الماضي.

 

وتقوم فرضية «الاستثنائية الأمريكية» في الأسواق المالية على أن الأسهم والاقتصاد الأمريكيين يملكان مقومات التفوق على نظرائهما عالمياً، بيد أن ثمة جدلاً متصاعداً منذ فترة، مفاده أن السوق الأمريكي يعاني من تركيز مفرط في شركات التكنولوجيا المعروفة بـ«السبع الكبار»، فضلاً عن المغالاة في تقييماته.

 

ورغم قناعة مديري الثروات باستمرار الأداء القوي للسوق الأمريكي فإن كثيرين منهم باتوا يقلصون حصة الأسهم الأمريكية في محافظهم الاستثمارية، مدفوعين - جزئياً - بهواجس التقييمات المرتفعة.

 

إذن، هل انتهى عصر قاعدة 60 - 40 للدخل الثابت؟ يقول مديرو الثروات، إن دور الدخل الثابت في تشكيلة المحافظ الاستثمارية يشهد تحولاً جوهرياً، فالنظرية الكلاسيكية لبناء المحافظ كانت تقضي بتخصيص 60% للأسهم، و40% للسندات، كونها قاعدة عامة استرشادية.

 

ووفقاً لهذه النظرية يُفترض أن تمنح السندات دخلاً مستقراً - بفضل عوائدها، التي تتحرك في اتجاه معاكس للأسعار - مع ضرورة وجود علاقة ارتباط سلبية بينها وبين الأسهم، ما يضمن أن جزءاً واحداً على الأقل من محفظتك الاستثمارية يسجل أداء متميزاً في جميع الظروف، غير أن هذه النظرية تلقت ضربة قوية في عام 2022 عندما سجلت أسواق الأسهم أداء هزيلاً بالتزامن مع تصاعد موجة التضخم، ما أدى إلى تكبد فئتي الأصول خسائر متزامنة.

واليوم، بات مديرو الثروات يشككون في صلاحية هذا النموذج للمستقبل، ويرى عدد منهم أن العصر الذهبي لمحفظة 60 - 40، الذي امتد من أواخر التسعينيات وحتى 2022 قد طواه التاريخ.

لذلك مع تصاعد حدة الاضطرابات الجيوسياسية في الأفق قامت شركة «راثبونز» بتقليص آجال استحقاق السندات، التي تقتنيها بشكل كبير لتصل إلى 2.5 سنة فقط في المتوسط.

 

ويشير العديد من مديري الثروات إلى أنهم يقللون حصة سندات الشركات، نظراً لأنها لا تزال باهظة التكلفة نسبياً مقارنة بالسندات الحكومية والسندات المرتبطة بالمؤشرات، حيث إن التعويض عن تحمل مخاطر الائتمان لا يرقى إلى المستوى المطلوب في ظل عدم اليقين الاقتصادي.

 

في ظل ذلك، هل آن أوان اقتناص الفرص في سوق الأسهم البريطانية؟

 

إن الأسهم البريطانية لم ترقَ إلى مستوى نظيرتها الأمريكية منذ اندلاع الجائحة، إذ لم تتجاوز عوائدها 40%، وقد دأبت صناديق المعاشات التقاعدية على تقليص تعرضها للسوق البريطاني، ما دفع الحكومة إلى بذل جهود حثيثة لتشجيع تدفق الاستثمارات المحلية، كما عزف المستثمرون العالميون عن الأصول البريطانية في أعقاب «بريكست»، بيد أن ثمة بوادر لإعادة توزيع الاستثمارات نحو سوق بريطانيا - ويقول مديرو الثروات إن السوق البريطاني يبدو مغرياً من حيث التقييم بعد فترة طويلة من النفور والإهمال، ويشيرون إلى أن الأسهم البريطانية تتمتع بجاذبية استثنائية مقارنة بالأسواق العالمية الأخرى، لافتين إلى الاستقرار السياسي كونه نقطة محورية لصالحها.

 

هل يتربع الذهب بالفعل على عرش الملاذات الآمنة؟ لقد اندفعت البنوك المركزية نحو شراء الذهب بمعدلات غير مسبوقة، مدفوعة بالمخاوف من هيمنة الدولار، والاضطرابات الجيوسياسية المتفاقمة، الأمر الذي أفضى إلى تجاوز المعدن النفيس لليورو، ليصبح ثاني أكبر أصل احتياطي عالمي بعد العملة الأمريكية، وقد أسهمت النظرية القائلة إن الذهب يشكل درعاً واقية ضد التضخم، ويحقق أداء متميزاً عندما تعاني الأسواق الأخرى من التراجع، في دفع أسعار المعدن الأصفر إلى مستويات قياسية.

 

ومع ذلك تتباين آراء مديري الثروات حول ما إذا كانت أسعار الذهب الحالية تعكس مبالغة في التقييم أم تحولاً جوهرياً في هيكل الطلب العالمي، وترجح مؤسسة «راثبونز» استمرار تصاعد الطلب من صناديق الثروة السيادية والمؤسسات الاستثمارية الكبرى في المستقبل المنظور.

 

أخيراً، ما الأصول الأخرى التي قد تعزز حماية المحافظ الاستثمارية؟ يلجأ بعض مديري الثروات إلى صناديق التحوط أداة للتنويع في مواجهة مخاطر التضخم، فصناديق التحوط المتخصصة في استراتيجيات القيمة النسبية أو المدفوعة بالأحداث تستهدف الاستفادة من أنشطة الشركات أو فجوات التقييم بين مختلف الأصول، ما يتيح لها اقتناص الفرص، وجني العوائد حتى في ظل انحدار المؤشرات الاقتصادية الكلية.