الجمعة 11 يوليو 2025 - 03:05:28 م

لماذا تتجاهل أسواق الأسهم حتى الآن تهديدات ترامب الجمركية؟

لماذا تتجاهل أسواق الأسهم حتى الآن تهديدات ترامب الجمركية؟

دبي، الإمارات العربية المتحدة:

فقد كان من المفترض أن تتفاوض الدول وتبرم اتفاقاً تجارياً مع الولايات المتحدة قبل حلول الأمس، وإلا فإنها ستواجه رسوماً جمركية متبادلة بالمستويات التي أعلن عنها ترامب بخط عريض على تلك اللوحة التي أثارت ضجة كبيرة في أبريل الماضي.

 

ومع ذلك، فقد تم تمديد هذا الموعد الحاسم الآن حتى الأول من أغسطس، وحتى هذا التاريخ ليس مؤكداً، في نظر كثيرين.

 

بل إن وزير الخزانة، سكوت بيسنت، المسؤول عن تحويل تصريحات الرئيس إلى سياسات عملية، كثيراً ما يلمّح إلى أنّ الأول من سبتمبر قد يكون موعداً بديلاً.

وكما هي الحال مع الرئيس نفسه، ينبغي أخذ المواعيد التي تعلنها الإدارة على محمل الجد دون الالتزام بحرفيتها — «على محمل الجد» لأن قرار ترامب بتنفيذ أي موعد نهائي ستكون له تداعيات هائلة، و«دون الالتزام بحرفيتها» لأن الاحتمال الأكبر أنه لن يفعل ذلك.

 

إذن كيف ستبدو الأسابيع الثلاثة ونصف القادمة (وربما أكثر)؟ شهدنا لمحة عن ذلك حين أعلن الرئيس الأمريكي فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على اليابان وكوريا الجنوبية اعتباراً من مطلع الشهر، قابلة للتغيير «اعتماداً على علاقتنا مع بلدكم».

 

ويبدو الأمر مقلقاً كثيراً، فالدولتان تُعدان من أكبر الشركاء التجاريين للولايات المتحدة بعد كندا والمكسيك والاتحاد الأوروبي، حيث استحوذتا على ما يقرب من 9% من إجمالي الواردات الأمريكية و7% من صادراتها في 2024.

 

بيد أن الأسواق، عوضاً عن الهلع، أبدت استجابة فاترة، فقد تراجع مؤشر «إس أند بي 500»، الذي كان يتخذ مساراً هبوطياً بالفعل عند صدور الإعلان، بنسبة 0.2% إضافية. وارتفعت قيمة الدولار بنسبة 0.7% مقابل الوون الكوري و1% مقابل الين الياباني.

 

وفي طوكيو وسيول، افتتحت البورصات على ارتفاع، إذ صعد مؤشر كوسبي الكوري بأكثر من 1.4% خلال الساعتين الأوليين من جلسة التداول، في حين ارتفع مؤشر نيكاي 225 الياباني بوتيرة أكثر تحفظاً بلغت 0.4%.

 

وتبدو هذه التحركات المعتدلة منطقية تماماً، فمن جهة، لن تؤدي المعدلات الجديدة إلى زيادة كبيرة في الرسوم الفعلية على أي من البلدين.

 

وقد أوضح بول آشوورث من كابيتال إيكونوميكس في مذكرة لعملائه أن «الرسوم الجديدة لا تسري على السلع الخاضعة بالفعل لتعريفات ترامب المحددة للمنتجات، حيث تشكل السيارات 34% من واردات البلدين، وهي تخضع أصلاً لرسوم بنسبة 25% هدد ترامب مراراً برفعها إلى 50%.

وبإضافة المنتجات الإلكترونية والصيدلانية المعفاة، فإن معدل الرسوم الفعلي على مجمل الواردات الأمريكية سيرتفع من 15.5% إلى 16.6% فقط إذا نفذ ترامب تهديده».

 

فلماذا تفزع الأسواق من أي تصريح للإدارة في هذه المرحلة؟ إنه حتى الاتفاقيات المبرمة تبدو عرضة لمزيد من المفاوضات.

 

وكما عبرت ليز آن ساندرز من شركة تشارلز شواب، فإن غالبية هذه الاتفاقيات «مجرد أطر عامة وليست اتفاقيات تجارية»، مشيرة إلى أن الصفقات التجارية تستغرق تاريخياً 18 شهراً للتوقيع الثنائي، و40 إلى 45 شهراً إضافية للتطبيق.

أما «اتفاق» تصدير المعادن النادرة مع الصين، فلم يكن سوى تهدئة للتوتر - إذ لم تكشف إدارة ترامب أي تفاصيل عن الاتفاق، ولا تزال بكين تحجب صادراتها عن الشركات الأمريكية، وفق ما ذكرته صحيفة وول ستريت جورنال.

 

وتمثل المفاوضات الصينية حالة خاصة بكل المقاييس، وقد تمنحنا الاتفاقات مع بريطانيا وفيتنام رؤية أوضح عما يمكن أن تطمح إليه الدول الأخرى.

 

غير أن الاتفاق الأمريكي - البريطاني كان مجرد إطار عام أيضاً، حيث خفّض الرسوم على مصنّعي السيارات البريطانيين وأعفى المنتجات الفضائية من التعريفات الجمركية، مقابل زيادة واردات لحوم البقر والإيثانول والمنتجات الصناعية.

 

وقد قلل متخصصون من أهميته، قائلين: «من المنظور السياسي، يمكننا فهم سبب مخاطرة اقتصاد منفتح صغير نسبياً يعتمد على أمريكا عسكرياً وأمنياً باتفاق غير ملزم قانوناً، ويتقبل حصصاً محدودة من اللحوم والإيثانول، مقابل حماية قطاعاتها الحيوية كصناعة السيارات والصلب ذات الحساسية السياسية».

 

وثمة إشارة مهمة في الاتفاق، رغم ذلك، فقد حققت واشنطن فائضاً تجارياً مع لندن العام الماضي، ومع ذلك لم يُلغِ الاتفاق الرسم الجمركي الشامل البالغ 10%. لذا ينبغي للدول الأخرى أن تدرك أن الحد الأدنى لن ينخفض عن 10%.

 

وبالنسبة للاتفاق الأخير مع فيتنام فهو يُعد أقرب ما يكون إلى صفقة «حقيقية»: رسوم بنسبة 20% على الصادرات الفيتنامية، وإعفاء الصادرات الأمريكية من الرسوم، ومعدل 40% على البضائع المعاد شحنها في خطوة تستهدف الصين بالأساس.

 

لكن المفارقة هنا أن الاقتصاد الفيتنامي يختلف جوهرياً عن نظيريه الكوري الجنوبي والياباني، فهو أصغر حجماً وأقل ثراءً، ولم يستورد سوى 13 مليار دولار من البضائع الأمريكية العام الماضي.

 

في المقابل، تتمتع كوريا الجنوبية واليابان باقتصادات أكثر ثراء واستحوذتا على نصيب أوفر من الصادرات الأمريكية، حيث يفوق مجموع كل منهما منفرداً ما تستورده فيتنام بخمسة أضعاف.

 

وهذا العامل، إضافة إلى التحالفات العسكرية الاستراتيجية الأمريكية مع البلدين، يمنحهما موقفاً تفاوضياً أقوى.

باختصار، لا تزال معركة التعريفات الجمركية - بطريقة ما - في جولاتها التمهيدية.

ولن تنطلق بجدية إلا حين تُبرم اتفاقات مع شركاء تجاريين كبار تؤمن الأسواق باستمراريتها؛ ثم تستجيب الأسواق لتلك الاتفاقات؛ ويتفاعل الرئيس بدوره مع استجابة الأسواق.

 

ولطالما كانت وجهة نظرنا أن ترامب سيتراجع عن أية تعريفات تستدعي رد فعل سلبياً مستداماً من الأسواق.

 

وفقط عندما تقتنع الأسواق بثبات صفقة معينة، ستضطره إلى حسم موقفه. ولا نزال بعيدين كل البعد عن تلك اللحظة.

 

من جانبها، يبدو أن أسواق الأسهم والسندات الأمريكية قد توصلت إلى قناعة مفادها أن التعريفات الجمركية المعتدلة - 10% على جميع الشركاء التجاريين، مع زيادة طفيفة على الصين وبعض القطاعات المحددة - لن تترك أثراً يُذكر على النمو الاقتصادي أو الأرباح، أو أنه سيجري تخفيفها إذا فعلت.

 

وقد تجاهلت الأسواق تماماً تهديدات ترامب المتواصلة بفرض تعريفات أشد قسوة.

 

لكن السؤال المحوري هو: ما إذا كان المستثمرون قد هيأوا أنفسهم لخيبة أمل كبرى إذا قرر ترامب - المتحمس بفعل لامبالاة الأسواق ومتانة الاقتصاد - أن يتّخذ موقفاً صارماً بشكل مفاجئ؟

 

وتتساءل ليز آن سوندرز من شركة «تشارلز شواب»: في ظل الأداء القوي للسوق منذ 9 أبريل، ومع المؤشرات الاقتصادية وبيانات التضخم التي ربما لم تكشف بعد عن التأثير الكامل للتعريفات، لكنها لم تنهر بأي درجة... هل يُهيئ هذا الوضع الإدارة لمواصلة الضغط من زاوية التعريفات الجمركية؟ نحن نرى أن هذا الأمر يستدعي القلق فعلاً.