الخميس 4 سبتمبر 2025 - 08:49:53 م

شركات خزانة البتكوين.. وجه جديد للهندسة المالية عالية المخاطر

شركات خزانة البتكوين.. وجه جديد للهندسة المالية عالية المخاطر

دبي، الإمارات العربية المتحدة:

قبل أكثر من قرن، وعند القبض على تشارلز بونزي، كان قد جمع نحو 20 مليون دولار في غضون سبعة أشهر فقط، بعدما أوقع آلاف الأمريكيين ضحية لمخطط استثماري وعدهم من خلاله بمضاعفة أموالهم خلال 90 يوماً.

 

اليوم تقف «البتكوين» عند مفترق طرق بين معسكرين متناقضين: فـ«إخوة الكريبتو» يرونه ابتكاراً عبقرياً يحرر العالم من هيمنة العملات التقليدية القابلة للفساد، بينما يصفه المشككون بأنه خدعة هائلة.

 

وفي هذا السياق، يثير صعود شركات «خزانة البتكوين» – التي تجمع الأموال عبر الديون وحقوق الملكية لشراء العملة – جدلاً واسعاً بين من يعتبرها هندسة مالية ذكية، ومن يراها أقرب إلى «مخطط بونزي مركب».

 

وربما تكون هذه المقارنات مبالغاً فيها، إذ لا تقوم العملات المشفرة صراحة على تمويل المستثمرين القدامى بأموال الجدد كما هو الحال في نموذج بونزي. كما أن الاحتيال، رغم ارتباطه أحياناً بهذا القطاع، ليس سمة أصيلة فيه.

 

ومع ذلك، تظل أوجه التشابه المقلقة حاضرة بقوة، خاصة ذلك الحماس الجنوني المحيط بالأمر. فقد ارتفع سعر «البتكوين» خلال العام الماضي بأكثر من 80 %، أي ما يعادل أربعة أضعاف مكاسب مؤشر «ناسداك» المليء بأسهم التكنولوجيا.

 

ولنتأمل مثالاً أحدث للمقارنة: فقد ازدهرت التزامات الديون المضمونة، وهي مشتقات مالية مرتبطة بالرهون العقارية قبل أزمة 2008، وهي تشبه العملات المشفرة من حيث كونها فئة أصول جرى الترويج لها بشكل مبالغ فيه، رغم قيمتها الجوهرية الضئيلة، نتيجة للقروض الهشة التي قدّمها وسطاء الرهن العقاري لتلبية الطلب المتزايد على هذه الالتزامات.

 

ومع بلوغ حمى المضاربة ذروتها، باتت التزامات الديون المضمونة رائجة لدرجة دفعت المهندسين الماليين إلى ابتكار ما عُرف بـ«التزامات الدين المضمونة المربعة» – التي تتألف من خليط من التزامات الديون المضمونة الأخرى المجزأة، والتي كانت بدورها قد قطّعت وجزّأت الرهون العقارية الهشة الأصلية. وكانت النتيجة، كما كان متوقعاً، كارثة مالية مدوية.

 

ويرى البعض أن شركات «خزانة البتكوين»، هي بمثابة «التزامات الدين المضمونة المربعة» في عالم العملات المشفرة. فإذا كنت تعتقد أن هوس «البتكوين» قد تجاوز الحدود، فماذا يمكن أن يُقال عن هذه الشركات التي تضخّ كامل أو معظم أموالها، في «البتكوين» أو غيرها من العملات المشفرة.

 

وهذه الشركات، كانت في السابق غالباً شركات تصميم تقني متعثرة، أو وكالات تسويق، أو استشارات تعليمية، وها هي قد تخلّت عن نشاطها الأساسي وراحت تراهن بكل ما تملك على البتكوين. وهناك الآن العشرات منها.

 

وكشفت شركة «بيل هانت» للوساطة المالية أن عدد شركات خزانة البتكوين قد تجاوز 160 شركة عالمياً، وهي جميعاً استلهمت نموذج أعمالها من تجربة «مايكل سايلور» الذي حوّل شركته البرمجية «استراتيجي» (المعروفة سابقاً باسم «مايكرو استراتيجي») إلى منصة استثمار في العملات المشفرة.

 

ليشهد ارتفاعاً مذهلاً في سعر سهم شركته بأكثر من 20 ضعفاً منذ عام 2020، فقد تجاوزت القيمة السوقية لشركة «استراتيجي» 100 مليار دولار، أي ما يعادل ثلاثة أضعاف قيمة مؤسسة «ستيت ستريت» المصرفية العريقة.

 

وفي عالم البتكوين وشركات خزانته التي تتحدى الأعراف المالية التقليدية، تتراجع كثيراً مبادئ الحيطة التي يتبناها أمناء الخزينة في الشركات عادة - والقاضية بحماية أموال المؤسسة عبر توظيفها في أدوات استثمارية منخفضة المخاطر - لتفسح المجال أمام ضخ هذه الأموال مباشرة في «البتكوين».

 

بل إن هذه الشركات تجمع المزيد من رؤوس الأموال من خلال إصدارات أسهم جديدة، أو طرح سلسلة من السندات أو الصكوك القابلة للتحويل بهدف توسيع محفظتها من العملات الرقمية.

 

وبالنسبة للمستثمرين، فإن الجاذبية الرئيسية تكمن في إمكانية الاستفادة من الزخم الصاعد في تقييمات العملات المشفرة، إلى جانب الرافعة المالية المدمجة في هذا النموذج. كذلك، تتيح هذه الشركات مستويات متعددة من «المراجحة». وقد تكون هناك فرص للتوفير الضريبي تبعاً للموقع الجغرافي للمستثمر.

 

ففي بعض الدول، مثل اليابان، يخضع الهيكل المؤسسي لشركات خزانة البتكوين لمعدلات أقل من ضريبة الأرباح الرأسمالية مقارنة بالاستثمار المباشر في العملات المشفرة. وفي بلدان أخرى، قد تتمتع هذه الشركات بإعفاء ضريبي كامل من خلال صناديق الأسهم والسندات المعفاة من الضرائب.

 

وما دامت موجة الصعود مستمرة، ستظل شركات خزانة البتكوين - التي تشبه في جوهرها مخطط بونزي مركباً أو التزامات الدين المضمونة المربعة - تنعم بالازدهار.

 

غير أن «شتاءات العملات المشفرة»، كما اكتشف «إخوة الكريبتو» في عامي 2018 و2022، تتسم دائماً بالقسوة البالغة؛ وعند حلول الشتاء القادم، من المرجح أن يكتشف مستثمرو شركات خزانة البتكوين أن خسائرهم ستتضاعف هي الأخرى.