الأثنين، 04 نوفمبر 2024
دبي، الإمارات العربية المتحدة:
في نظريات المحاكاة أو الألعاب هناك معضلات، أحدها تسمى معضلة السجين. في هذه المعضلة، بدلاً من التعاون الذي يعود بالنفع على الجميع، ينقلب السجناء على بعضهم البعض، ما يؤدي إلى نتائج بعيدة عن المثالية. شيء مثل هذا يحدث على نطاق أوسع في التنافس المحتدم بين «ألفابت» الشركة الأم لـ«جوجل»، و«ميتا» للهيمنة على قطاع الذكاء الاصطناعي.
وتنتمي الشركتان إلى ما يعرف بـ«عمالقة الحوسبة السحابية»، وهي مجموعة تضم أيضاً «مايكروسوفت» و«أمازون»، وتستثمر هذه الشركات بكثافة في الخوادم ومراكز البيانات المستخدمة في الحوسبة السحابية والنماذج اللغوية الكبيرة. وبحلول عام 2026 ستكون النفقات الرأسمالية لهذه الشركات الأربع قد بلغت إجمالاً تريليون دولار في 5 أعوام، وفقاً لتقديرات «فيزيبل ألفا».
وألمحت «ألفابت»، منذ أيام، إلى أن هذا الإنفاق بدأ يؤتي ثماره، فقد ارتفعت إيرادات الشركة بنسبة بلغت 15 % وفاقت التوقعات على أساس سنوي، كما توسعت أعمالها في الحوسبة السحابية بواقع 35 %، وأعلن سوندار بيتشاي، الرئيس التنفيذي لشركة «ألفابت»، أن الذكاء الاصطناعي يتولى عملية كتابة ربع الأكواد الجديدة، التي تستخدمها «جوجل»، لكن بينما يعزز هذا التحول التكنولوجي الإيرادات، إلا أنه يزيد أيضاً مساحة وحجم التوترات، فالتقنيات الجديدة تميل إلى اتباع منطق «الفائز يربح كل شيء»، ويكفيك في هذا السياق استحواذ «جوجل» على حصة تبلغ 90 % من البحث على الإنترنت، ولا يوجد سبب يدفع إلى الاعتقاد بأن الوضع مع الذكاء الاصطناعي التوليدي سيكون مختلفاً.
ويؤدي ذلك إلى ازدياد صعوبة التعايش السلمي بين المتنافسين، فعلى سبيل المثال تجهز «ميتا»، مالكة «فيسبوك»، محرك بحث خاص بها، لتكون أقل اعتماداً على «جوجل»، بحسب ما نشرته «ذا إنفورميشن».
كما تقدم شركة مارك زوكربيرغ بعضاً من النماذج اللغوية الكبيرة مجاناً، في تحدٍ للمنافسين مثل «أوبن إيه آي»، وترتفع معدلات التوتر في المجال مع ضخ مليارات الدولارات في شركات ناشئة، مثل «إكس إيه آي» التابعة لإيلون ماسك، وكذلك «بيربليكسيتي» المنافسة لـ«جوجل».
كما يزيد الذكاء الاصطناعي من إمكانية إحياء الخلافات القديمة، فقد وجهت «مايكروسوفت» مؤخراً أصابع الاتهام إلى «جوجل»، باستخدام جماعات الضغط وتكتيكات «غامضة»، للحصول على ميزة لأعمال في الحوسبة السحابية الخاصة بها، والتي تأتي في المرتبة الثالثة بفارق كبير بعد «مايكروسوفت» و«أمازون» في هذا المجال، وهو صرف للانتباه عن تهديدات أوسع لأعمال البحث والإعلانات الرقمية. وهذه النزاعات مألوفة، فقبل عقد نشرت «مايكروسوفت» إعلانات حول الخصوصية، تحذر فيها عملاء «جي ميل» من أن «جوجل تخدعكم»، لكن المخاطر أكبر بكثير.
إن الهيمنة هنا تستحق القتال من أجلها، والإيرادات التي تتأتى عن إنشاء ذكاء اصطناعي فائق، وغالباً ما يطلق عليه «الذكاء الاصطناعي العام»، لا حدود لها، فحتى مع مستويات إنجاز متواضعة ستكون الغنائم كبيرة. وتشير تقديرات «ماكنزي» إلى أن الحوسبة السحابية ستولد أرباحاً إضافية قبل خصم الضرائب قدرها 3 تريليونات دولار للشركات على مستوى العالم.
وسيتم بذل الكثير من المال في سبيل الوصول إلى هذا الهدف، وقد أقر رؤساء تنفيذيون بذلك، مثل زوكربيرغ وبيتشاي، اللذين أشارا إلى أنها يفضلان إنفاق الكثير لا القليل، ويعد ذلك منطقياً، حيث إنه إذا ما أرغم المنتصر أنوف البقية في نهاية المعركة فإن ذلك سيجعل الاستثمارات الماضية تبدو وكأنها فتات، ولم تثبت «ألفابت» بعد أنها المنتصرة، لكن يعكس نموها، الذي يعززه الذكاء الاصطناعي أنها لم تخسر المعركة بعد.