الجمعة 3 يناير 2025 - 05:13:29 ص

وعود زيادة الإنتاجية عبر الذكاء الاصطناعي تحتاج إلى عقود

وعود زيادة الإنتاجية عبر الذكاء الاصطناعي تحتاج إلى عقود

دبي، الإمارات العربية المتحدة:

حتى ألمع الخبراء يعجزون عن التنبؤ بمستقبل التكنولوجيا. ومن أبرز الأمثلة على ذلك روبرت ميتكالف، مخترع الإيثرنت، الذي تنبأ في عام 1995 بانهيار كارثي للإنترنت في العام التالي.

لكن عندما أخطأ كان عليه أن يتذوق حرفياً مراراً كلماته! ففي حدث تكنولوجي مشهود مزق ميتكالف نسخة من مقالته المنشورة في «إنفو وورلد»، ووضعها في خلاط، ثم تناول الخليط الناتج على وقع صيحات قوية من الحضور «كلها. كلها».

وتعد تجربة ميتكالف التعيسة، رغم تقبله إياها بتواضع وصدر رحب، واحدة من عشرات الأمثلة على التنبؤات الخطأ، التي يحفل بها موقع الإنترنت «أرشيف المتشائمين». ويرصد الموقع تاريخ المخاوف من الاختراعات الجديدة، ويسجل العديد من الخيالات الخطأ لأجيال متعاقبة من خبراء التكنولوجيا، بشأن اختراعات مثل الكاميرا، والكهرباء، والطائرات، والتلفاز، وأجهزة الحاسوب، وغيرها.

ويستحق هذا الأرشيف التصفح عند التفكير في سيل التنبؤات حول أعجوبة التكنولوجيا لهذا العصر.. الذكاء الاصطناعي. إلا أن التنبؤ الوحيد الأكيد هو أن السواد الأعظم من هذه التنبؤات سيثبت لاحقاً أنها مبالغات. وبالنسبة للمتفائلين، الذين يتوقعون أن الذكاء الاصطناعي سيأتي قريباً بعصر جديد يتسم بالوفرة التامة، فمن المرجح أن تصيبهم خيبة أمل كبيرة، أما المتشائمون الذين يتوقعون أن الذكاء الاصطناعي سيسفر قريباً عن اندثار الجنس البشري فليسوا أقل احتمالية في الوقوع بالخطأ الكامل، لكن للأسف لن يكون هناك أحد ليهنئهم إن كانوا على صواب.

وبالنسبة للذكاء الاصطناعي فمن اليسير القول إن تحديد اتجاه الرحلة أسهل من تحديد سرعتها، وكما عززت الثورة الصناعية القوة الجسدية عن طريق استخدام البشر للآلات، كذلك ستعزز الثورة المعرفية قدرات الدماغ. ومن الأفضل النظر إلى الذكاء الاصطناعي على أنه تكنولوجيا للأغراض العامة، ويمكن تطبيقها على عدد لا نهائي من الاستخدامات، بحسب أركادي فولوز، مؤسس شركة نيبيوس الناشئة في أمستردام، وتعمل في بناء البنى التحتية للذكاء الاصطناعي للشركات التي تنشئ نماذج الذكاء الاصطناعي في عدد من الصناعات.

وقال أركادي: إن الذكاء الاصطناعي شأنه شأن الكهرباء، أو أجهزة الحاسوب، أو الإنترنت. وتابع: إنه كمثل المسحوق السحري، الذي يمكن استخدامه لتحسين كل شيء. وأكد أنه ستتم أتمتة المزيد والمزيد من الوظائف بكفاءة أكبر، وكما أن الحفار أكثر قوة من شخص يحمل مجرفة فسيكون بإمكانك أتمتة العمليات الروتينية باستخدام الذكاء الاصطناعي.

وكما كانت الحال مع التقنيات متعددة الاستخدامات في السابق، مثل السكك الحديدية والكهرباء، حيث استغرق تعزيزها للإنتاجية عقوداً، فقد يستغرق الأمر عقوداً قبل أن تعزز هذه التقنيات الجديدة الإنتاجية، إذ يجب بناء بنية تحتية جديدة، واعتماد طرق عمل جديدة، كما يجب إطلاق منتجات وخدمات جديدة.

وفي الوقت الحالي يمكن أن يؤدي تبني التقنيات الجديدة إلى كبح الإنتاجية لبعض الوقت، حتى تتكيف الشركات وموظفوها مع طرق العمل الجديدة. وبالتأكيد يمكن للتقنيات الجديدة أن تسفر عن مزيد من تراجع الإنتاجية، وسأطرح سؤالاً هنا: كم عدد رسائل البريد الإلكتروني غير المفيدة التي طالعتها اليوم؟

ويؤكد بعض خبراء الاقتصاد أن الإنتاجية تنخفض في بادئ الأمر، لكنها ستقفز في مرحلة لاحقة. وذكر خبراء الاقتصاد إريك برينجولفسون، ودانيال روك، وتشاد سيفرسون، في ورقة بحثية، أصدرها المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية: «التقنيات ذات الاستخدامات العامة، مثل الذكاء الاصطناعي، تتيح وتتطلب أيضاً استثمارات تكميلية هائلة، بما في ذلك المشاركة في اختراع عمليات جديدة، ومنتجات، ونماذج أعمال، ورأس مال بشري»، وغالباً ما تتجاهل الإحصاءات الاقتصادية الرسمية هذه الاستثمارات المكملة، وقد يستغرق ظهورها على هيئة ارتفاع بنمو الإنتاجية وقتاً طويلاً.

وقد يكون من الخطأ الحديث عن الذكاء الاصطناعي باعتباره ثورة منفصلة، بدلاً من كونه استمراراً لثورة تكنولوجيا المعلومات، التي بدأت في سبعينيات القرن الماضي، فيما ذهبت كارلوتا بيريز، المؤرخة الاقتصادية، في ورقة بحثية ألفتها هذا العام، إلى أن «التكنولوجيا الثورية ليست هي نفسها الثورة التكنولوجية».

وفي كتابها «الثورات التكنولوجية ورأس المال المالي» الصادر عام 2002، أشارت بيريز إلى سلسلة من التحولات التكنولوجية، تبدأ بموجة من التدمير الإبداعي، يعقبها انتشار واسع النطاق للابتكار، تؤدي أخيراً إلى العصر الذهبي للنمو الاقتصادي. ولفتت بيريز إلى تكرار هذا النمط بصورة دورية، إذ بدأ بالثورة الصناعية في سبعينيات القرن الثامن عشر، تلاه عصر البخار والسكك الحديدية في ثلاثينيات القرن التاسع عشر، ثم عصر الكهرباء والهندسة في سبعينيات القرن التاسع عشر، بعد ذلك جاء عصر الإنتاج الكمي في عشرينيات القرن الماضي، وصولاً إلى ثورة تكنولوجيا المعلومات الحالية.

وقد صاحبت كافة هذه الثورات التكنولوجية تحولات طرأت على الحكومات والمجتمع، ما أسفر عن نشوء مؤسسات جديدة، مثل النقابات العمالية، والهيئات التنظيمية، ودول الرفاهة، للمساعدة في إدارة هذا التحوّل العملاق. وفي الوقت الراهن، وحسب رؤية بيريز، فإننا بصدد البدء في تصور المؤسسات المطلوبة للتعاطي مع ثورتنا الحالية في مجال تكنولوجيا المعلومات، ومعالجة التفاوت الاقتصادي، والتصدي للشعبوية الاستبدادية، إضافة إلى مواجهة الكوارث ذات الصلة بالمناخ. وأضافت في وقت مبكر من هذا العام: «أصبح تغير هذا السياق السياسي والاقتصادي الأوسع هو المهمة الأكثر إلحاحاً في عصرنا الراهن». لذا، سيكون تصميم المؤسسات الجديدة المناسبة تحدياً صعباً، حتى بمساعدة الذكاء الاصطناعي نفسه.