الجمعة، 29 نوفمبر 2024
دبي، الإمارات العربية المتحدة:
ينتاب كثيراً من المستثمرين قلق من وجود فقاعة اقتصادية بالسوق، بينما يعتقد آخرون أننا نشهد بداية عصر جديد. فخلال العامين الماضيين، أحدثت ثورة تقنيات الذكاء الاصطناعي تحولاً هائلاً في عالم الاستثمار.
لكن الاعتماد الكبير على عدد قليل من الشركات مثل إنفيديا ومايكروسوفت يثير مخاوف متزايدة، خاصة إذا واجهت هذه الشركات صعوبات تقنية أو تحديات جيوسياسية أو قيوداً تنظيمية، وهو ما قد يخلف آثاراً مدمرة على السوق بأكملها.
ومؤخراً، انضم البنك المركزي الأوروبي إلى الأصوات المحذرة من المخاطر المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، حيث أشار في مراجعته الدورية للاستقرار المالي إلى أن «التركيز على عدد قليل من الشركات الكبرى يثير مخاوف من احتمال نشوء فقاعة في أسعار الأصول المرتبطة بالذكاء الاصطناعي». ولا يعد مصطلح «فقاعة» من الأمور التي يرغب أحد عموماً بأن يراها مطلقاً في مثل هذه التقارير.
ونظراً للهيمنة الواضحة لهذا الاتجاه على الأسواق الأمريكية، وتأثير الولايات المتحدة على الأسواق العالمية، فقد حذر البنك من أن أي فشل في تحقيق الشركات الكبرى لأرباحها المتوقعة قد يترتب عليه «أخطار انتقال التداعيات السلبية على المستوى العالمي».
ومن المعروف أن أسهم «السبع الكبرى» في الولايات المتحدة، التي تضم شركات تصميم الرقائق الإلكترونية وشركات التقنية العملاقة، تمثل نحو ثلث القيمة الإجمالية لمؤشر «إس آند بي 500». وخلال العامين الماضيين، تضاعفت قيمة هذه الأسهم، في حين ارتفع المؤشر بنسبة تقارب 50%.
والمستثمرون على دراية تامة بهذا الأمر، إذ شكلت أسهم التكنولوجيا مصدر قلق رئيساً لمديري الصناديق على مدار العامين الماضيين. رغم ذلك، كان الاعتقاد السائد بينهم هو أن الأسواق ستستعيد توازنها بمرور الوقت. إما بتباطؤ مكاسب الأسهم الكبرى، أو أن تبدأ الفوائد المفترضة للذكاء الاصطناعي بالتأثير على القطاع الاقتصادي بشكل أوسع، ما يدفع بالسوق نحو الصعود الجماعي.
كما يتوقع أن يتقلص الفارق بين الولايات المتحدة، الرائدة عالمياً في مجال التكنولوجيا، وباقي العالم. فمع بداية العام الجاري، توقع كثير من المستثمرين تراجع حالة الاستثناء الأمريكية والتركيز المفرط على أسهم التكنولوجيا، لكن ما حدث كان العكس تماماً؛ إذ تصاعدت الهيمنة بدلاً من التراجع. وربما يكون هذا هو الوقت المناسب للتساؤل عما إذا كانت هذه ليست مشكلات بل ميزات تعبر عن سمات العصر الرقمي الجديد.
في واقع الأمر، من الصعب أخذ هذا الكلام على محمل الجد عندما تكون تجربتنا اليومية مع التقنية في كثير من الأحيان غير مرضية. وعلى سبيل المثال، فأنا لا أريد من أداة ذكاء اصطناعي أن تعيد صياغة رسائلي أو منشوراتي على لينكدإن بمحتوى مأخوذ من مصادر مشابهة.
كما أنني لا أريد التعامل مع روبوت لخدمة العملاء، بل أفضل كثيراً التحدث إلى شخص حقيقي. ولا يزال من الصعب تصديق أن فوائد الإنتاجية المحتملة لهذه التكنولوجيا ضخمة كما يدعي أنصارها.
إن الرهان على أن الأسهم الأمريكية ستواصل صعودها السريع يتطلب افتراضات جريئة بشأن استمرار النمو القوي في أرباح الشركات. رغم ذلك، بدأ بعض مراقبي السوق يشيرون إلى احتمال وجود تغيير جذري في المشهد.
وعزوا ذلك إلى أسباب عدة بينها الأداء المميز لشركات مثل «نيفديا»، حيث تتماشى الأرباح مع التوقعات المرتفعة، ما يجعل نسبة السعر إلى الأرباح مستقرة نسبياً، مقارنة بفترة ازدهار وانهيار الإنترنت.
وعلقت شركة «جي إم أو» للاستثمارات في تقريرها الأخير قائلة: «التوقعات من الشركات الكبرى اليوم أقل طموحاً مما كانت عليه في عام 2000، وهذا يعني أن المخاطر أيضاً أقل نسبياً».
ثانياً، رغم أن هذا قد يبدو وكأنه تبنٍّ مفرط للتفاؤل، إلا أنه من المحتمل أننا نشهد تحولاً جوهرياً في قواعد اللعبة، وهو احتمال أشار إليه جان بوافين، المصرفي المركزي السابق ورئيس الأبحاث في معهد بلاك روك للاستثمار، حيث صرح بأن «الذكاء الاصطناعي يمتلك القدرة على تعزيز الابتكار في مجال الابتكار ذاته».
وفي الأحوال العادية، كان بوافين يرى في الفجوة الكبيرة بين الأسهم الأمريكية ونظيراتها الألمانية فرصة للاستثمار في السوق الأوروبية. ولكنه يقول الآن: «إذا كان الأمر يتعلق بتغير هيكلي، مثل الذكاء الاصطناعي، فلا يوجد ما يضمن أن يكون هناك ارتداد إلى المعدلات الطبيعية».
وبالمثل، فإن تركيز السوق لا يعكس هشاشة، بل نجاحاً في صناعة تتميز بحواجز مرتفعة، حيث تقتصر على شركات بعينها.
وأضاف بوافين إن الفرضية التي تقول إن تركيز السوق سينتهي أو إن أسهم التكنولوجيا الكبرى ستنهار هي «محاولة تطبيق إطار عمل لا يناسب السياق الحالي»، وأردف: «الخيار الوحيد هنا هو إما أن تكون جزءاً من اللعبة أو خارجها تماماً».
قد يبدو هذا الطرح مبالغاً فيه، فإذا كان اختيارك هو البقاء خارج السوق، فلا بأس، لكن إذا استمرت أسهم الذكاء الاصطناعي في جذب الأنظار بنفس الطريقة الغريبة العام المقبل، فقد يكون علينا تقبل أنها ليست غريبة أو استثنائية بعد الآن.