الأثنين، 13 يناير 2025
دبي، الإمارات العربية المتحدة:
في عام 2014 قال أكيو تويودا، رئيس مجلس إدارة «تويوتا» آنذاك بثقة: «لقد رأيت المستقبل»، وإن إطلاق سيارة «ميراي»، وهي سيارة رائدة تنتجها تويوتا، وتعمل بالهيدروجين، ستشكل «نقطة تحول» في صناعة السيارات،
لكن بعد مرور عقد من الزمن، لم تبع فيها الشركة سوى 27,500 سيارة تعمل بالهيدروجين، لم تعد أكبر شركة لصناعة السيارات في العالم على هذا القدر من الثقة. وفي تصريح له أمام الصحفيين في مضمار «فوجي سبيدواي» باليابان نوفمبر الماضي قال هيروكي ناكاجيما، رئيس قسم التكنولوجيا لدى تويوتا: «لا أستطيع الجزم بأن مستقبل الهيدروجين سيكون مشرقاً».
وحتى مع اتجاه أغلبية كبار مصنعي السيارات بالكامل إلى السيارات الكهربائية، إلا أن «تويوتا» ما زالت تعتقد أن الهيدروجين في النهاية سيظل بإمكانه تشكيل دور مهم في إزالة الكربون عن وسائل النقل مستقبلاً. وأوضح ناكاجيما: «سنخاطر بالتخلي عن المستقبل إذا تخلينا عن هذه التكنولوجيا».
وفي خضم تحولها نحو الشاحنات والحافلات والشاحنات الصغيرة (فان)، التي تعمل بالهيدروجين، كشفت «تويوتا» اللثام في نوفمبر الماضي عن النموذج الأولي لمركبة (فان) هجينة تعمل بالهيدروجين والكهرباء، وأعلنت أنها الأولى من نوعها، وستخضع للاختبار في أستراليا.
كما تعمل «تويوتا» بالاشتراك مع «إيسوزو موتورز» على إنتاج واسع النطاق لشاحنة خفيفة الوزن تعمل بخلايا الوقود الهيدروجيني في وقت لاحق من العقد الجاري، وتمكنت من تأمين اتفاقيات لتوريد حافلات تعمل بالهيدروجين في طوكيو وستراسبورج ومدريد.
ويرى جيمس هونغ، رئيس قسم انتقال الطاقة والسلع في آسيا لدى «ماكواري كابيتال» أن «الهيدروجين فشل على جميع المستويات في سوق السيارات الخاصة، وما زلنا لا نملك إجابة أكيدة فيما يتعلق بالمركبات التجارية أو الطلب على التخزين الثابت للطاقة».
وتولد خلايا الوقود الهيدروجيني الكهرباء بواسطة تفاعلات كيميائية بين الهيدروجين والأكسجين، فلا ينتج عن هذه التفاعلات إلا بخار ماء يخرج من أنبوب العادم. وإضافة إلى توليدها طاقة خالية تماماً من الانبعاثات الكربونية فإن المركبات التي تعمل بالهيدروجين تتسم بكونها أسرع في إعادة التزود بالوقود مقارنة بالمركبات الكهربائية، أما بالنسبة للمركبات الثقيلة فإن مدى قيادتها يكون أطول. ورغم الدعم الحكومي في بلدان حول العالم إلا أن منظومة الهيدروجين ما زالت ضئيلة، ولم يصل من المشروعات الكبيرة لإنتاج الوقود إلى مرحلة البناء إلا عدد قليل فقط.
نتيجة لذلك لا يتم إنتاج خلايا الوقود الهيدروجيني على نطاق واسع، وظلت تكاليفها عالية. وبيعت النسخة الفاخرة من سيارة «كراون»، التي تعمل بالهيدروجين بمبلغ يزيد على السيارة المجهزة بنظام هجين بمليون ين ياباني (ما يعادل 6500 دولار).
في الوقت نفسه انخفضت أسعار المركبات الكهربائية بفعل المنافسة الشرسة من الصين، والاختراقات في تقنيات البطاريات. وقال سام أدهم، المحلل لدى شركة سي آر يو غروب للاستشارات: «عندما تكون لديك تكنولوجيا تعمل بالفعل، وهي رخيصة للغاية وجيدة بما يكفي، مثل بطاريات أيونات الليثيوم، فسيكون عليك أن تتساءل عن جدوى الاستثمار في سلسلة توريد جديدة تماماً».
وتحاول «تويوتا» تشجيع اعتماد الهيدروجين من خلال شركة «هينو موتورز» التابعة لها لصناعة الشاحنات. وفي عام 2023 أعلنت «هينو» ومنافستها «ميتسوبيشي فوسو تراك آند باص كوربوريشن»، اندماجهما في محاولة «للوصول إلى اقتصادات الحجم» والتركيز على الهيدروجين، وتأخر الاتفاق مع ذلك، مع إشارة كلتا الشركتين إلى الحاجة إلى الحصول على موافقات تنظيمية، في ظل فضيحة تزوير شهادات الانبعاثات.
وتعاونت الشركة مع منافسين آخرين، للتشارك في تكاليف التطوير، ما يعكس تحالفات أوسع نطاقاً يتم إبرامها في مختلف أنحاء الصناعة للتصدي للمنافسة الصينية، وأبرمت «تويوتا» اتفاقات وتبحث التوصل لأخرى مع شركات هيونداي الكورية الجنوبية، وبي إم دبليو الألمانية، التي ضخت كل منها استثمارات بالغة في السيارات التي تعمل بالهيدروجين.
وأشارت آن-صوفي كوربو، الخبيرة في الهيدروجين لدى مركز سياسة الطاقة العالمية، إلى أن «الناس كانوا أكثر إيجابية بشأن استخدام الهيدروجين في الشاحنات والحافلات قبل بضعة أعوام». وأردفت: «سيكون السؤال الأهم هو التكلفة وتوفر الشاحنات والحافلات. الأمر لم يتم البت فيه بعد، لكن الحل الكهربائي يكتسب ميزة عاماً بعد عام».
أما لي هو-جيون، أستاذ المركبات المستقبلية لدى جامعة دايدوك، فيرى أن «هيونداي» شهدت خسائر قيمتها 30 مليون وون (ما يعادل 22 ألف دولار) لقاء كل وحدة من مركبة الدفع الرباعي الرائدة «نيكسو إس يو في»، التي تعمل بالهيدروجين، رغم حصولها على إعانات حكومية قدرها 36 مليون وون مقابل كل مركبة.
رغم ذلك لفت هو-جيون إلى أنه كان من المعقول أن تمضي الشركات قدماً في مواصلة تطوير المركبات، التي تعمل بالهيدروجين على المدى الطويل، بسبب التقنيات المسجلة باسمها، وعملت على تطويرها بالفعل. واستطرد: «ستكون هوامش ربح بيع المركبات الكهربائية مقيدة دوماً بالحاجة إلى شراء أو ترخيص تكنولوجيا البطاريات من شركات أخرى، بينما في حالة المركبات التي تعمل بالهيدروجين، ليست هناك حاجة إلى سداد أي حقوق ملكية».
وتظل مسألة نقص البنية التحتية للتزويد بالوقود مشكلة في اليابان وخارجها، وأعلنت عملاقة النفط «شِل» في فبراير الماضي، إغلاق كل محطات إعادة التزويد بوقود الهيدروجين بولاية كاليفورنيا، وهي الولاية التي تحوز فيها خلايا وقود الهيدروجين الشعبية الأكبر في الولايات المتحدة.
ورداً على ذلك رفع مالكو «ميراي» دعوى جماعية ضد الشركة في يوليو الماضي، متهمين «شِل» بتضليلهم بشأن توفر وقود الهيدروجين. ولم يكن فشل السيارات التي تعمل بالهيدروجين في الانتشار على نطاق واسع انتكاسة لـ«تويوتا» و«هيونداي» فحسب بعد أن ضخا مليارات الدولارات في الاستثمار بهذه التكنولوجيا، لكنها كانت انتكاسة لليابان وكوريا الجنوبية أيضاً، بسبب اعتماد استراتيجياتهما لإزالة الكربون على هذا الوقود.
وأفادت «تويوتا» أنها تحتاج إلى طرح المنتجات، التي تعمل بالهيدروجين بالتنسيق مع مبادرات حكومية لنشر بنية تحتية للوقود البديل. ورغم الانتكاسات لفت مطلعون على شؤون «تويوتا» إلى أن الشركة لم تتخلَ عن سيارات الركاب التي تعمل بالهيدروجين، إذ بحث تويودا في أكتوبر الماضي عقد شراكة مع المنافس التقليدي «هيونداي»، لتعزيز تطوير السيارات، التي تعمل بخلايا الوقود.
وشبه المسؤولان الوضع بحاجة تويوتا إلى أن تصير لمدة عقد من الزمان قبل أن تنجح مبيعات السيارات الهجينة، ما أكد رهانها على بريوس، التي بيعت للمرة الأولى عام 1997.
وقال هونج: «هذا ما تفعله تويوتا»، مضيفاً: «إنها كبيرة بما يكفي لتتحمل رهانات عدة، حتى تلك التي لا توجد أمامها احتمالات كثيرة لتؤتي ثمارها».