الأربعاء 5 فبراير 2025 - 06:58:13 م

العلاقات المصرية الإماراتية: نموذج للشراكة الاستراتيجية والتكامل العربي

العلاقات المصرية الإماراتية: نموذج للشراكة الاستراتيجية والتكامل العربي

دبي، الإمارات العربية المتحدة:

بقلم الدكتور/ عبدالرحيم بن أحمد الفرحان

تُعد العلاقات بين جمهورية مصر العربية ودولة الإمارات العربية المتحدة نموذجًا رائدًا في العمل العربي المشترك، حيث تجمعهما روابط تاريخية متينة تقوم على أسس الاحترام المتبادل، والتنسيق المستمر، والتعاون المشترك في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية. وقد شهدت هذه العلاقات تطورًا ملحوظًا عبر العقود، مما عزز من مكانة البلدين كفاعلَيْن رئيسيَيْن في دعم الاستقرار الإقليمي وتحقيق التنمية المستدامة.

1. الجذور التاريخية للعلاقات الثنائية

تعود أواصر التعاون بين مصر والإمارات إلى حقبة ما قبل تأسيس الاتحاد الإماراتي عام 1971، حيث لعبت مصر دورًا محوريًا في دعم الإمارات خلال مرحلة البناء والتأسيس، من خلال إرسال الخبرات الفنية، وتقديم الدعم التعليمي، والإسهام في تطوير المؤسسات القانونية والإدارية للدولة الوليدة.

وقد كانت مصر من أوائل الدول التي بادرت بالاعتراف الرسمي بدولة الإمارات العربية المتحدة فور إعلان تأسيسها، مما يعكس عمق الروابط بين البلدين وحرص مصر على دعم استقرار المنطقة الخليجية وتعزيز وحدة الصف العربي.

2. العلاقات السياسية والدبلوماسية

أ. التنسيق السياسي والاستراتيجي

ترتكز العلاقات بين البلدين على تنسيق سياسي رفيع المستوى، حيث تتبنى القاهرة وأبوظبي رؤى متقاربة حيال القضايا الإقليمية والدولية، لا سيما فيما يتعلق بأمن الخليج العربي، القضية الفلسطينية، مكافحة الإرهاب، واستقرار منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وتحرص القيادة السياسية في البلدين على تعزيز التشاور المستمر من خلال اللقاءات الثنائية والزيارات المتبادلة، بما يسهم في تعزيز أطر التعاون السياسي والدبلوماسي.

ب. المواقف الداعمة والمتبادلة
• قدمت مصر دعمًا سياسيًا ودبلوماسيًا قويًا لدولة الإمارات في المحافل الإقليمية والدولية، مؤكدةً على أهمية حماية أمن الخليج باعتباره جزءًا لا يتجزأ من الأمن القومي العربي.
• من جانبها، وقفت الإمارات إلى جانب مصر في العديد من المحطات التاريخية، لا سيما من خلال دعمها لمصر عقب ثورة 30 يونيو 2013، مما عكس التزامها الراسخ بالحفاظ على استقرار الدولة المصرية وتعزيز مسيرتها التنموية.

3. العلاقات الاقتصادية والاستثمارية

أ. الشراكة الاقتصادية والتنموية

تُعد الإمارات أكبر مستثمر عربي في مصر، حيث تجاوز حجم الاستثمارات الإماراتية في السوق المصري 55 مليار دولار أمريكي، وهو ما يعكس ثقة المستثمر الإماراتي في الاقتصاد المصري وبيئته الاستثمارية الجاذبة.

وتشمل هذه الاستثمارات مشروعات تنموية كبرى في قطاعات العقارات، السياحة، المصارف، الصناعة، والطاقة المتجددة، بما يسهم في دفع عجلة التنمية الاقتصادية وتعزيز فرص النمو المشترك.

ب. أبرز المشروعات الاقتصادية المشتركة
• قطاع العقارات: تنفيذ مشروعات ضخمة من قبل شركات إماراتية مثل إعمار العقارية والدار العقارية، والتي ساهمت في تطوير مشاريع سكنية وتجارية بارزة مثل “مراسي” و”أب تاون كايرو”.
• قطاع الموانئ والخدمات اللوجستية: تعزيز التعاون في تطوير المنطقة الاقتصادية لقناة السويس من خلال استثمارات ضخمة من قبل موانئ دبي العالمية.
• قطاع الطاقة المتجددة: تنفيذ مشاريع استراتيجية للطاقة الشمسية مثل مجمع بنبان للطاقة الشمسية، بالشراكة مع شركات إماراتية رائدة.

ج. التكامل الاقتصادي

يعمل البلدان على تعزيز التكامل الاقتصادي عبر مبادرات تدعم التجارة البينية، وتسهيل الاستثمارات، وتطوير الصناعات المتقدمة، مما يعكس توجههما نحو بناء شراكة اقتصادية طويلة الأمد تقوم على تحقيق المصالح المشتركة والتنمية المستدامة.

4. التعاون العسكري والأمني

تمثل العلاقات العسكرية والأمنية بين مصر والإمارات ركيزة أساسية في تعاونهما الاستراتيجي، حيث يجري البلدان مناورات عسكرية مشتركة لتعزيز الجاهزية القتالية وتبادل الخبرات، مثل مناورات “زايد 3”، التي تعكس مستوى التنسيق الدفاعي بين البلدين.

كما تتعاون الدولتان في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف، من خلال تبادل المعلومات الأمنية وتعزيز آليات التصدي للتهديدات الأمنية في المنطقة، بما يسهم في ترسيخ الأمن والاستقرار الإقليمي.

5. التعاون الثقافي والتعليمي والإعلامي

أ. التبادل الثقافي والتعليمي

تحظى العلاقات الثقافية والتعليمية بين مصر والإمارات باهتمام كبير، حيث تستضيف الجامعات والمؤسسات التعليمية الإماراتية عددًا كبيرًا من الأساتذة والخبراء المصريين، في حين تقدم مصر خبراتها الأكاديمية لدعم قطاع التعليم في الإمارات.

ب. التعاون الإعلامي

يشهد المجال الإعلامي تعاونًا وثيقًا بين البلدين، من خلال تبادل المحتوى الإعلامي واستضافة القنوات المصرية في الإمارات، مما يسهم في تعزيز الوعي الثقافي والتكامل الإعلامي بين الشعبين.

6. التحديات المشتركة وآفاق التعاون المستقبلي

أ. التحديات الإقليمية
• يواجه البلدان تحديات متعلقة بالأمن الإقليمي، ومكافحة الإرهاب، وتحقيق الاستقرار في الدول العربية التي تعاني من النزاعات.
• يتطلب الحفاظ على استدامة الشراكة الاقتصادية مزيدًا من التنسيق لمواجهة التحديات الاقتصادية العالمية.

ب. آفاق التعاون المستقبلي
• تعزيز التعاون في مجالات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، عبر تبادل الخبرات والاستثمارات في هذا القطاع الحيوي.
• تطوير الشراكات في قطاع الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر، بما يتماشى مع توجه البلدين نحو الاقتصاد الأخضر والاستدامة البيئية.
• دعم المبادرات المشتركة في التنمية المستدامة، من خلال مشروعات اقتصادية واجتماعية تعزز من رفاهية الشعوب العربية.

الخاتمة: نموذج للعلاقات العربية الاستراتيجية

تُجسد العلاقات المصرية الإماراتية نموذجًا رائدًا للتعاون العربي، حيث تستند إلى أسس الاحترام المتبادل، والتكامل الاستراتيجي، والمصالح المشتركة. ومن خلال استمرار التنسيق والتعاون في مختلف المجالات، تمضي الدولتان نحو تحقيق المزيد من النجاحات في بناء شراكة مستدامة تدعم الاستقرار الإقليمي، وتعزز التنمية الاقتصادية، وترسخ التضامن العربي.